همسات دافئة
قد مضت أيام طويلة ، لحظات شاقة،وهي تعيش في دوامة لامنتهية حيث اللارجوع فيها جواز سفر اليها..وعندما هدأت الدوامة ذات ليلة ورسى مركبها العتيق على احدى الشطآن البعيدة أدار الزمن بالجراح الى الماضي التليد وبدأت الشرارة الاولى من الثورة في الاعماق تتوقد.
عندها وبعد كل ذلك التعب والارهاق والفزع أرادت أن تغفو قليلا لعلها تنسى للحظات قليلة ما مرت به لكنها كعادتها لم تنم في تلك الليلة ايضا،كان هاجس الرحلة الطويلة الشاقة المليئة بالمخاطر يقلقها ويزرع في اعماقها الأسى واليأس والحزن..!
أخرجت مفكرة صغيرة ..دونت عليها بقلم أحمر اللون جراحها..! هل من أمل..؟ ومضت تكتب سنو ات طويلة أنا أنت وأنت أنا فلماذا ياأنا افترقنا..؟ رحلت وتركتني لألمي بين جراحي ونزفي لِمَ تختار الوحدة دائما لي..؟ وأنت الذي كنتَ تخشاها لنفسك .. لماذا تريد دائما ان أظل على ذكراك ساهرة..؟ لماذا اعاني ابداً في حبك..؟ وأنا التي تريد ان تفديك..ظلت تكتب في اوراقها الصغيرة يعاندها النوم وتعاند هي رغبتها الملحة في النوم..فالبرغم من ان ذهنها قد خلا للحظات قليلة من كل التفاصيل الصغيرة لعلاقة تكاد ان تنتهي تتلاشى الا ان همسات الرحيل والوحدة ظلت تؤرق ليلها، كانت تهمس لنفسها لقد رحل..رحل وتركني وحيدة مع المي وفزعي.. ووجعي عليه..اه من كبريائه الغريب اللامتناهي..اه من حزنه الابدي..اه من جراحه النازفة..اه من وحدة تركني فيها اكرهها..ظلت تكتب في مفكرتها الصغيرة وتقلب في اوراقها حتى وقعت عيناها على سطر قديم مكتوب بلون يحبه هو.. لون كان يقول دائما بانه الاقرب الى نفسه..ظلت عيناها ساكنة لاتتحرك جامدة حتى دمعت وتناثرت دمعاتها على الكلمات الحزينة..!
تمتمت بصوت محسوس،اه ياحزني الابدي كم اكره نفسي لأني كنت جرحا اخراً في صدرك المجروح،ثم التفت جانبا خوفا من ينقل الهدوء والصمت سرها المكتوم،ثم مالبثت ان ادركت انها وحيدة على شاطئ بعيد ليس معها سوى بريق بعض النجوم التي تزيد من وجعها وقلقها.
أغمضت عيناها لعلها تقدر الفرار من واقع بات يؤلمها لكنها لم تستطيع الهروب منه،اكتشفت انها كانت الجرح الاعمق في حياته وكم حزنت لتلك الحقيقة وكم بكت عيناها لتلك الحقيقة..!
ثارت وانتفضت على اعماقها لتواجه الظلام وخرير المياه،ولمعان النجوم.. كان الوقت متاخراً..شعرت بثقل في احدى يديها نظرت اذا بساعة صغيرة على شكل نجمة تلف ساعدها وكانت تشير الى الثانية والنصف بعد منتصف الليل كانت قبلها قد نست الوقت وامر الساعة،همست انه الغد قد اتى اسرع مما كنت اتوقع..هل ابدأ رحلتي من جديد ..؟ هل امضي الى حيث يقودني انين صوته..؟ تحسرت عاودها البكاء خاطبت ذاتها لقد انتهى كل شيء،لا أنا اقدر الولوج ثانية في دوامته،ولا هو عاد يهتم بغضبي،وثورتي والمي وحزني عليه منه..!
كنت احبه ولااعلم لِمَ كل هذا الانجذاب نحوه..؟ فقد كان ابداً مني كالتوأم، كان هو أنا وكنت اشعر أنا منه لا أفترق،لااعرف لماذا ولد هذا الشعور بداخلي منه ..؟ برغم خوفي الابدي من تناقضاته وحزنه وقسوته المصطنعة.
كنت احبه أكثر كلما رأيت الحزن يلمع في عينيه وكم كنت مع ذلك الحزن انصهر خو فا من ان ينقض على ذاته برغم هدوءه اللامنتهي وصمته الابدي وحزنه العميق الذي كان الجميع يقولون عنه بانه حزن ولد معه ليعيش معه ابداً..ظلت تكتب في مفكرتها الصغيرة بقلم هو لون جراحها..أرهقتها الكلمات وشردت الافكار والظنون ذهنها،وقالت بهمس خفي ليتني أنام الان.. ليتني انساه للحظة..ليتني استطيع الفرار من ذاتي الذي هو فيه..لأرتاح من وطأة عينيه علي..ليتني أنام..أنام..اراه..اراه..اراه.. !
غفت عيناها ومضت اللحظات وفجأة داهمها ومضات من اشراقة الشمس فداعبت شعرات رأسها ولامست الدموع المجففة على وجهها..ومن فرط حساسيتها وحبها له شعرت بان ريحا خفيفة قد حملت من عطره وذكره اليها فأستيقظت على أمل رؤيته..نظرت حولها واخرجت من درج مكتبتها مفكرتهاالصغيرة وبدأت تقلب في اوراقها وابتسمت ودونت فيها مجريات ليلة كانت هي الاجمل في حياتها..!
13-2-1999
بغداد