أمازلت تريد الهرب
أهكذا .. دائماً يعاودك الصداع فيفقدك توازنك وتنهار معه؟ أما زالت تلك الألام تطاردك ..؟ وتقض مضجعك أما زال ذلك الأنين .. أنين الوحدة يرافقك؟ مع أن هناك من ترافقك وتراقبك بكل حواسها.
أما زلت تستيقظ من نومك وتبحث عن حبة أسبرين وقدح ماء لتريح بها نفسك من حرية باتت تؤرقك أو كابوس يطاردك؟
أما زلت مقيداً بالرتابة ذاتها ، لم تهرب منك الحياة ولم تهرب أنت منها..؟ لِمَ كل هذا الخوف من الحياة .؟ لِمَ تفر منها .؟ ومني أنا بالذات ، لِمَ لا تأتي وتتبادل معي أطراف الحديث ؟ لِمَ تخشاني وتخشى أن تهرب منك وحدتك معي.. ألهذا الحد أدمنت الحزن وهمسات الأفكارالبليدة ؟
دائماً تخشى النظر إلى عيني .. دائماً تفر منها .. دائماً تخشى أن تقترب نفسك من نفسي وتحاول خلق حواجز بيني وبينك ، وتحاول دائماً أن تبقي المسافة بعيدة بيني وبينك .. فأنا لا أكاد أقترب منك حتى تثور وتهرب كأن وحشاً قد هجم عليك .. ولا أكاد ألمس أطراف أصابعك حتى أراك قد عقدت جلسة تأمل مع ذاتك لتبحث عن الخطأ والصواب في ذلك ولتكون النتيجة أن الشيطان أقترب معي..!
أنا التي تريد استئصال عروق الموت والخوف من أعماقك بأنوثتها فلماذا تخشاني ؟ وتخشى أن تحن عليّ وأن تشتاق إلي ، وأن تناجيني .. وتبحث عني.. وأن تنظر إلي وأن تلقاني .. لماذا تصر أن همستي دمار؟ وأبتسامتي فخ وأن تعلقك بي مرض وموت وأن رغبتك في العيش بين أحضاني ومعي إدمان مرّ..؟
وترى في أبتسامتي نهايتك وفي جمالي عذابك وفي صوتي المحب سياطاً تذيق روحك وتصليها جحيماً لم تلتمس الطريق إليه من قبل .
عيناك تسترقان النظر إلي .. ترتدان تتوسلان بي لأبقى بجوارك لكنك تأبى أن تعترف لنفسك بأنك بحاجة إلي .. فتهت بين جمرتين جمرة رسمتها صورة لي كبيرة تدفعك إلي وكبرياء غريبة تمنعك عني .. لماذا لا تأتي وتشاركني الحياة ؟ لماذا تصرعلى أن تعذب روحاً أنا توأمها ..؟ لماذا تحاول دائماً أن تجعل العذاب هو الصورة المشرقة لحياتنا ..؟ لماذا تقسو عليّ وترسم لعاطفتي سحراً أسوداً ..؟ وترى في جمالي ورقتي وأخلاصي وأنوثتي حبالاً تقيد حريتك..؟
قلت لي في لقاءنا الأخير .. لا أقول لقاءً بل كان صدفة عابرة رأيتك فيها.. أن لحواء ملمس أفعى وأن التفاحة بيدي تنتظر أن تدخل نار دنياك القلقة، ولم أهتم بما قلت ولم ابالي بما نطقت ومضيت وتركتني وحيدةً وهكذا أنت دائماً .. تهرب مني .. وتخشى النظر إلى عيني .!
قل لي بحق الرب .. ألا يمكن أن نغير نهاية تلك الدراما القديمة ..؟ ألا يمكن أن نغير نهاية قصة قديمة تتكرر..؟ تأتي حواء لتقلب حياة آدم وتدخله الدنيا .. ويجربان حياة فيها قسوة وحنان مرارة وألم .. فيها مغامرة فرضت عليهما وعلينا .
أتفر هكذا وتهرب دائماً من قدرك..؟ ولكن كيف .. والقدر لا يمكن الفرار منه ..؟ قد كتب علينا المغامرة وخوض غمارها .. وتأكد بأن رجولتك ستتعبك إن لم تقترب من دنياي .. لأنك ستكون أقرب إلى التيه من الحياة .. فأنا قد صرت أقرب إلى الموت منك إلى المنبع.
فكفاك هرباً .. الهرب مني لن يجدي والحجج التي تبحث عنها لتقنعني بها لن تجدي أيضاً .. ما دمت تهرب مني وما تلبث ان تأتي .. قلت لك منذ البداية لا تخشى .. لا تخشى شيئاً .. يا طفلي الوحيد .. وها أنا أناديك يا طفلي الحزين تعال ولنغير النهاية فحسب ولنعلنها هكذا كما أعلنها أنا .. وأقول هي أدخلته الدنيا وأنا سأدخلك جنتي الأبدية.
25-10-1996