وحده الحنين يعرف أين نبع الشوق في ,وحده الحنين أحتاجه في هذا الفضاء السماوي الكئيب.أحتاجه ليحترق الماضي بأشعة الحقيقة التي كنا نحياها منذ ميلادنا الأول..أ قصد ميلاد حبنا الأول.في تلك الصباحات الحارة من صيف غريب,حين كنا نذهب سويا إلى الظل,إلى الشجر العاري نناجي أوراقه التي سقطت ضحية لخريف غابر.
هذه الأغصان التي لازلت أرقبها في بروق المساء عندما كنا نجلس بحميمية الحبيبين و نحتسي قهوتنا اليومية.تحادثينني عن حلم كان لك اختزلتيه في حبي, غير نادمة على المضي دون ضمانات الى غد لا تعين اشراقاته المؤجلة.
تلك المساءات تداعبها عيني حين تغفو على مقربة من أمكنة كانت مسرحا لعشقنا العاري,لاشتعالاتنا العاطفية.كانت تلك الأمكنة ـولا أعلم أتذكرينها أم لا!؟ـ بوح صامت يخرق السكون في ليلنا الندي,حين تعبر النار التي كنت تجمعين حطبها بعناية خاصة,تعبر عتمة واقعنا وحبنا الهارب من شقوق الخوف.و أنا أرقبك متسائلا:
أيمكن أن نحرق عشقنا على صفيح هذه النار؟
فتتجاهلين هرطقتي و تعقبين..
أحتاج الى دفئ يديك الرجولية...
ثم أشرئب كطفل الى وجهك المدور العاكس لضوء النار,إلى جبهة أشبه بجبين ناسكة على نور خافت لشمعة دير.و نشرد غير عابئين بانقضاء الوقت ومعه دخان النار الذي تبخر عارجا الى السماوات حاملا قدسية الحوار المتواصل .نستفيق من شرودنا فنقرر المشي قليلا عسانا نترجم الآهات الى خطوات تحملنا نحو الايقاع الذي اخترناه لنبض قلبينا.
نخترق المدينة وسط شارع مزدحم بالمارة ,تمسكين دراعي بارتباط غير عادي,نواصل الاختراق, فيتوقف بعد أقل من عمر نبض القلبين وتغادرينني إلى اللامكان .لم تموتي حبيبتي ,فلا تخشي من عبارات مجروحة أنثرها تأبينا للفقدان.
كان انسحابك هادئا دون انذار.لذلك سكتت كل لأجراس الإعلان عن البدء و انطفأت شمعة الدير التي كنت أقرأ على حافة ضوئها نور وجهك.
أمتشرد أنا بين سمائين؟امفارق زيف الحياة؟أمغادر قداس الوداع؟لا هذه ولا تلك فقد اكتشفت أخيرا أني كنت قاصر الخيال.
أذكر انها في ذلك الأربعاء,هاتفتني قبل الثامنة مساءا بربع ساعة,وبتحية مرتجلة ابتدأت كلامها..
كيف الحال؟
بخير...
اتصلت بك بعد ان فكرت,,
فيما فكرت؟وهل وجدت فراغا زمانيا لتفكري في شيء غيري؟
آه,تحيرني تعليقاتك,ولكن,عليك أن تصمد حيال الخبر!
أي خبر تقصدين؟
سأسافر غدا..
ما هي أسبابك..؟
أرغب في أخد إجازة من حبنا...
نحتاج الى إجازة بعد روتين.و روتين كلمة تقلقني!
لا,ليس الأمر كذلك.فقط سأختبر قدرتي على الصمود في البعد..
أنت تفرضين علي نفس الإختبار دون وعي منك؟
نعم ان أردت ذلك..
حسنا,مع السلامة.
لن اتاخر كثيرا,سأهاتفك لاحقا ..
أتمنى ذلك.
من كان يدري أن هذه الكلمات ,هي آخر ما القته شفتيك في أذني.رحلت صباحا و إلى الأبد.إخترت إجازة أبدية من حبنا ,إنتصرت إرادتك و اختفيت في الغياب.وصلني النبأ,دارت بي الأرض وانسحبت من أمامي الطريق.فلم أستعد وعيي إلا من خلال عبرات درفتها على قبرك.
عبد الكريم شياحني
chahnoun10@hotmail.com