تكنولوجيا الخداع
أشعر بدوار شديد في رأسي.. الأشياء من حولي تدور بحركات بهلوانية تضحكني وتبكيني في آنٍ واحد!
الخطوط متداخلة حد التعقيد، والألوان تتمازج..تذوب.. تنصهر في بوتقة واحدة تنتج اللون الأسود القاتم.
بدأتُ أفقد قدرتي على التمييز، على التركيز.. كل الملامح تختفي وراء قناع مزيف مخادع!!
بدأتْ تتبلور لدي قناعة بأن الأشياء في حقيقتها هي عكس ما نراها.
البشر يتلونون كالحرباء.. لم تعد هناك حقيقة ثابتة، كل إنسان يرى الحقيقة كما يريد ـ أو يراد له ـ أن يراها.
عالَم السحر والشعوذة قد بلغ ذروة مجده في هذا الزمن العجيب؛ ففي لحظاتٍ يحولون الذئبَ إلى حمل والحملَ إلى ذئب! ويقنعونك بأن ما تراه حقيقة لا ريبَ
فيها، ومن يرى غير ذلك فهو مصاب بضعف البصر، أو عمى الألوان!
وإن أبى أن يرى الأشياء بمنظارهم المقلوب يصبح ـ في رأيهم ـ عدواً للحق والحقيقة يجب التخلص منه كيلا يفسد ذوق الشعوب المغلوبة على أمرها؛ فتعود إلى جاهليتها في عرف الدول المتحضرة التي تتحكم في قناعات الشعوب وميراثها ومصائرها!
في بادئ الأمر لم أصدق عينيَّ، فألقيت اللومَ على بصري المصاب ببعض الانحراف، فلبست النظارة عساها تعيد الأشياء إلى وضعها الحقيقي وسيرتها الأولى..
لكن الأمر ازدادَ اضطراباً وتعقيداً، والصور بدت عكس ما ترسَّخ في ذهني منذ الطفولة!
فقلتُ أقف على رأسي فيتعادل الانقلاب لعلي أظفر ببعض الحقيقة.. باءت محاولتي بالفشل من جديد!
فكيفما تحركتَ تحركتْ الأشياء ضد عقلك وبصرك!
خداع دنيء محبوك بمهارة داهية ماكرة تتآمر على عقلك وسمعك وبصرك، تتغلغل في أعماق فكرك ووجدانك، تسري في دمك..
فإلى متى!!
حنين عدنان هندية
فلسطين ـ نابلس