مـــتى عـــدت َ ؟
ربما لأن إحساسه بعدم التوازن منعه من الحراك فصار كباقي قطع الأثاث في بيت سيدته سليطة اللسان
كلما سمع همسها أضطرب ورتبك، وخاف أن يعترف أنه يخافها ، ربما لايعرف الكثيرون أن الآلام التي ابتدأت تمنعه من ممارسة واجباته في بيت الزوجية لم تبدأ في ظهره أو قدميه بل حين بدأت سميرة تذله ، وتعلن انتصارها على رجولته بلسان آثم قلبه وأيادي لاترحم طالما نالت من كبريائه
وحين انتقل الألم إلى هيئته التي بدت كأنها هيئة عجوز عقيم ... كاد يتأوه من نظرات من يلتقونه من سكان الحي
ترى كيف وصلت به آفة الانهزام الى هذه الحال
وتساءل بيأس
لو أنه استطاع أن يتصالح مع آلامه فيعنف زوجته العنيفة .. هل سيشفى حقا" أم أنه ملزم بمراجعة عيادات أشهر الأطباء وأجراء أدق الفحوص المخبرية ...
ثم من يملك أن يخبره بالحقيقة سوى نفسه التي اعتادت الهوان فأين إذن يستطيع مجابهتها وكيف ؟
وحين فاتح النفس وقص عليها القصص .. أوصلته شجاعته في المجابهة مع الذات الى تذوق طعم الشفاء
أحس أن جسده يتفتت قطعة قطعة، وكل قطعة تتبعثر في فضاءات البوح ثم يعُاد تركيبها في هيكله الذي شع منه نور التطهير ... ماأقسى أن يتخلص المرء من أدران قسوته ويستيقظ من عمق شخيره
لكن الآلام المبهمة التي لم تشفَ وأعجزت الأطباء والسحرة وأفقدته لأربعين عاما إنسانيته هاهي تغادر
من أعماق روحه بترياق الصدق
وصل إلى مسكنه أخيراً ، ودخل فأدهش بنيه لأنه لم يكن محني الظهر كعادته وأخذته قدماه الى سريره فصاح
سميرة : اتبعيني
أغمض عينيه على دموع الشموخ فأخذت آلام زوجته تتوارى بعد أن مارس طقوس الارتجال لاول مرة
سألته سميرة على استحياء ..
ترى ماسرّها خطوتك الواثقة ؟
فأبت رجولته إلا تجاهل ندائها
اقتربت منه أكثر ولاول مرة أنصت لبوحها ...
تقول كأي أنثى : حبيب العمر متى عدت؟
فأجابها : من أول الدفء ... وحتى الرماد الاخير