من قتل الحكيم ؟!
نزار حيدر
شاء الله أن يقتل الحسين.
بهذه العبارة المقتضبة أجابني ضاحكا الشهيد أية الله السيد محمد باقر الحكيم ( اغتيل اليوم في مدينة النجف الأشرف بعملية إرهابية مدبرة) ، عندما سألته في العام 1988 ، بعيد قبول الحكومة الإيرانية القرار الدولي رقم ( 598 ) القاضي بوقف الحرب العراقية الايرانية ‘ فيما إذا كان يتوقع أن يساوم عليه الإيرانيون مع نظام صدام حسين ‘ فيستبدلونه و قواته المسلحة ( فيلق بدر ) مع قادة و قوات منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة ‘ كصفقة سياسية لتصفية ملفات بين البلدين .
ولا ادري إن كان الشهيد قد تصور انه سيقتل في يوم من الأيام كجده الإمام الحسين (ع)عند ضريح جده الإمام علي (ع).
لقد كان الحكيم من أكثر زعماء الشيعة في العراق تجربة في العمل السياسي ،فهو من الزعماء الدينيين القلائل الذي حاول أن يمسك بعصا المرجعية والسياسة من الوسط بموازنة صعبة ترقى إلى مستوى المستحيل، فشل فيها كثيرون من قبله.
كما أنه تميز بعلاقات سياسية واسعة سواء مع زعماء ألأحزاب و التنظيمات السياسية العراقية أو مع دول الجيران و العديد من دول العالم إذ أنه كسب ثقة واحترام الكثيرين ، حتى أولئك الذين اختلفوا معه في الراى و الاستراتيجية والأسلوب.
لقد عرفته عن قرب، فمنذ لقائي الأول به مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وحتى زيارتي الأخيرة له في منزله في مدينة النجف الأشرف في مارس أيار الماضي، لمست فيه الذكاء الوقاد والمثابرة في العمل و الجهاد، والثقة العالية بالنفس والشجاعة و حبه للصراحة، متحدثا و مستمعا.
والسؤال المهم الذي يلح بحثا عن إجابة هو:
من قتل الحكيم؟ أو من المستفيد من اغتياله؟
لا احد بامكانه أن يتكهن بهذه العجالة بهوية القتلة، ففي ظروف كالتي يمر بها العراق اليوم في ظل غياب الأمن والسلطة، تتعدد التكهنات إلى درجة التناقض أحيانا.
فأول المتهمين ، هم فلول النظام البائد الذي قاتله الشهيد بلا هوادة على مدى ربع قرن من الزمن، فهم أصحاب المصلحة الأولى في تصفية الحكيم و زعزعة الأمن في العراق لعرقلة كل الجهود المبذولة لبناء العراق الجديد.
و لا يستبعد آخرون ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية بالقضية والتي أرادت ربما ـ حسب رأيهم ـ أن تبعث برسالة إلى بقية المرجعيات و الزعامات الدينية والسياسية في العراق، لتقليل سقف تطلعاتها بشأن مستقبل العراق الجديد ، خاصة و أن البعض يأخذون على الحكيم تسرعه في الإشارة بطريقة أو بأخرى إلى سعيه الحثيث لعقد تحالف ثلاثي يضمه إلى جانب المرجع السيستاني و إيران ، والذي اعتبره المراقبون أنه يشكل بداية تأسيس مخاطر حقيقية تهدد المشروع الأمريكي في العراق.
كما أن أمريكا ـ برأيي هؤلاء ـ لا ترغب بالتأكيد في أن تتعامل أو ترى العراق (المحتل) تحت تأثير قيادات قوية من مستوى الحكيم، رجل التجربة و التحالفات و الخبرة الطويلة ، الذي أثبت غير ذي مرة أنه صعب المراس لا يتنازل بسرعة عما يؤمن و يعتقد به.
فيما يرى البعض أن من غير المستبعد أن تكون للتنظيمات السلفية الإرهابية التي نشطت في العراق منذ سقوط نظام الطاغية المقبور، يد في تنفيذ العملية الإجرامية.
كذلك فأن من بين الاحتمالات التي ترد بهذا الصدد هو إمكانية ضلوع جماعات متطرفة من الأهالي ممن يتصورن خطا أو جهلا أن الحكيم متورط في دماء الشهيد الصدر الثاني (اغتاله النظام البائد مع نجليه في العالم 1999) من خلال مواقفه بالضد من مجمل حركة الصدر الثاني و التي أعلن عنها في مناسبات عديدة و من خلال عدد من الحوارات الصحفية و الإذاعية آنئذ، والتي كان الحكيم يعبر فيها عن أرائه إزاء حركة الصدر و عموم قضايا العراق و تطورات الساحة لا أكثر.
بشأن مستقبل المجلس الأعلى الذي كان يتزعمه الحكيم، يعتقد بعض المراقبين بأن عقده سينفرط بعد غياب مؤسسه و قائده ، لأن الحكيم، برأيهم، كان يمسك بكل خيوطه ، سواء على صعيد القيادة والإدارة أو على صعيد التمويل المالي، فيما أرى العكس تماما، فأن مقتل الحكيم سيزيد من عزم رجالات المجلس و أنصاره الذين ورثوا عنه تاريخا جهاد يا طويلا مفعما بالدم و التضحيات الغالية، كان أخرها دم زعيمهم، كما أنهم ورثوا عنه تراكم تجارب سياسية طويلة تمتد إلى أكثر من عقدين من الزمن.
أيا يكن القاتل فانه بالتأكيد من أعداء العراق و شعبه، استهدف بقتل
الحكيم، قتل الأمل في نفوس العراقيين ،لان الحكيم كان من أكثر زعماء (المعارضة العراقية) نشاطا و جهادا و حرصا على العراق و شعبه، بذل كل شي في سبيل تغيير الأوضاع لصالح مستقبل أفضل وعراق جديد و غد واعد، حتى أنه تحمل الكثير من المعاناة من أجل هذا الهدف، فلم يتوان مثلا أو يتردد في مشروعه ألتغييري عندما قتل النظام البائد قرابة عشرين من عائلته من أجل الضغط عليه و ثنيه عن مواصلة مشواره.
عازيي الحارة للعراقيين و لآل الحكيم و أخص بالذكر منهم صديقي السيد عبد العزيز الحكيم شقيق الشهيد و كذلك صديقي السيد صادق الحكيم نجله البكر.
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM