_ الله يرضى عليك يا أبني ، بالسلامة.
أنهت الأم مكالمتها مع ابنها المغترب ، بهذه العبارة صحبتها عبرة حارة على عام لم تكحل عينيها برؤية فلذة كبدها عاصم.
عاصم يدرس الطب في ألمانيا، شاب متفوق، وسيم ، محبوب عند أهله ومجتمعه ومدرسيه.
توفي أبوه وهو في عامه الثالث، درج في الحياة ليرى أماً كادحة، صابرة ، أخذت على عاتقها تربيته هو و " فاطمة " أخته .
لما شب على الطوق، أكمل دراسته الثانوية بتفوق ، وبكل سرور الدنيا استقبلت امه خبر ابتعاثه بمنحة حكومية لدراسة الطب.
فاطمة ، تصغره بعامين ، لطيفة مهذبة، جميلة ، تطل من عينيها الآخاذتين لمحة من الحزن على فقدان والدها ولمّا تبلغ العام من عمرها.
_ فاطمة ، ألبسي لنزور خالتك
لبست فاطمة حجابها ، وتوجهت مع أم عاصم نحو دار خالتها، وهناك ذهبت فاطمة لغرفة بنات خالتها ، وظلت الأخت مع أختها.
_ ألا تريدين أن تزوجي فاطمة يا أم عاصم؟
_لا أدري ما رأيها ، إن أخاها في الخارج ، ولا أعرف كيف سأبقى وحيدة
_اسكني عندي ، البيت بيتك ، وانا وانتي شريكات في الحزن ، فقد مات أبو سالم قبل عشرين عاماً من الآن، اسمعي يا ام عاصم ، انا اريد فاطمة زوجة لسالم _ الله يرضى عليه_ما رأيك؟
_هل هذه رغبة سالم ؟ كنت أظن أنه يفضل أن يأخذ إحدى بنات أعمامه.
_أبداً يا أم عاصم ، لقد فاتحني سالم في الموضوع، وما منعه من الزواج في الفترة السابقة إلا إنشغاله بإعداد رسالة الماجستير، لكنه يريدها منذ فترة ، آه ما رأيك؟
_ انت اختي يا ام سالم ، وسالم مثل ابني عاصم في المعزة، لكن دعيني اشاور البنت وأخاها.
_براحتك يا أختي يا ام عاصم، براحتك.
عندما قفل الأم وابنتها عائدتين إلى البيت، كانت أم عاصم تتطلع إلى أبنتها فاطمة وهي تتمتم :" والله كبرتي وصرتي عروس"
صلت أم عاصم المغرب وكذلك فعلت فاطمة ، ومن ثم فاتحتها بالموضوع ، احمر خداها خجلاً ثم تمتمت بصوت خفيض "الرأي رأيك يا اماه".
ابتسمت الأم وقالت :" على بركة الله "
اتصلت الأم بابنها المغترب عاصم ، سألته فوافق ، ووعد أن يأتي في الإجازة ليزف أخته لابن خالته، فبلغت أختها بالموافقة و نامت فاطمة وهي تحلم بأيام سعيدة مع فارس أحلامها منذ زمن "سالم".
عندما عاد عاصم في الصيف، كان يحمل في قلبه حزناً أليماً ، ورغم فرحه باخته ، إلا أنه رفض العودة إلى ألمانياً لإكمال دراسته، كما أنه رفض أن تعيش امه عند خالته.
وعندما سألته أمه ما السبب ، أجابها :"إنه شيء من الوفاء ، أن أظل إلى جانبك وقد كبرت، وتزوجت فاطمة"
بكت الأم بحرقة ثم قالت :" إن اردت أن تكون وفياً لي فالله يرضى عليك سافر وأكمل دراستك، ولا ترجع إلا وأنت دكتور يشار لك بالبنان"
وافق وسافر ، درس واجتهد ، وبعد حفلة تسلم الشهادات بعد سبع أعوام من الكد والتعب ، رن هاتفه المحمول ، وعندما فتح الخط فوجيء بصوت فاطمة تبكي وهي تقول :"عاصم امي ماتت ماما ماتت يا عاصم"
سقط على الأرض مغمياً عليه، وعندما أفاق وجد نفسه سيبقى رهين كرسي متحرك إلى نهاية حياته كما أخبره طبيبه