( 1 )
القمر
على أضوائه يحلو السمر.. يرحل القلب معه في المكاشفة والبث والمناجاة ، هناك تورق دوحة الأنس ، وتمتد الأحاديث الدافئة ، ويصبح الجو مشحونا بالعواطف المتنوعة ما بين حزن وفرح وألم وأمل..
على صفحة القمر المضيء تتراقص الأحلام ، وتتورد الآمال ، حتى أن الألم يصبح ضربا من منافذ التنفيس والتنهد لأننا نبثها للقمر.. إنه يتقبل آلامنا دون محاكمة .. إنه أمر مريح للغاية !
ما رمز القمر في كتاب الوجود ؟! وماذا يحكي لنا على لسان الحكمة ، وقد خبر حياة البشرية من بداية خروجهم للحياة ، يبدو مليئا بالتجارب والحكمة ، فلربما صادف كل أنواع البشر بكل تبايناتهم..
القمر :
سهرت الليالي أنثر الضوء الفضي ، لأنفض عن المحزون دمعته وألمه ، ولأشارك المبتهج دوحة أنسه ، همهمة ودمعة وتنهد وآهة ،وبسمة وضحكة وبهجة.. لطيف المعاني ينساب في سكون الليل ، وأدق المشاعر تنهال على قارعة القلب باستسلام ، وما من شيء أشفى للقلب ممن ينصت إلى نداءات خفقانه وارتعاشه..
هي عبرات تنساب ليلة الفراق أو الهجر أو الألم والشعور بالوحدة أو الضياع أو الخسارة ، وحيث يرتمي ذلك المسكين على هالتي الفضية يناجيها ؛ أجد كل الرحمة تتدفق مني إليه.. فيتنهد !
أو هي جلسمة سمر يتناجى فيها حبيبان بلهفة ، فأُظلهما بنوري الخافت العذب ؛ إذ أصبح الظلام ساطعا!
أو هي تأملات فطرية تترقب لحظة اكتمالي بدرا ليقول : سبحان الله.. كم للجمال من شكل ومعنى !
خبرت الحياة ؟!
نعم.. ومن منا لم يفهم الحياة ؟! في قرارة كل منا فهم عميق لطبيعتها ، لكننا أحيانا لا نحاول أن نستوعب ذلك ؛ لأننا لم نتألم بعد ، فلم نعكر مزاجنا من الآن ؟! هكذا نفكر.. غفلة ً !
سمعت الكثير من البث والشكوى ، وفطنت إلى أن كل الحكايا الحزينة والمؤلمة التي تروى لي ؛ إنما هي آهات .. ثم هي تنهدات.. ثم يرحل الصاحب نهارا ليخالط الحياة من جديد وفي بريق عينيه أمل بأنني سأظهر له كل ليلة ليناجيني عن تصاريف يومه..
وأما قرير العين فقد احتوى حبيبه بجماع عواطفه وإحساسه ، فأنا له مع التقائه به.. أغلى هدية يشاطره فيها !
وأما المتفكر المتأمل فقد خلا بحلكة الليل ونهاري ، يتأمل خيوط النور تخترق الظلمة ، فكيف التقت المتناقضات في انسجام بهيّ ، وكيف انسجم الكون كله كوجود واحد متناغم بإعجاز...
وهكذا.. رأيت الحياة في ثلاثة أشياء : دمعة محزون ، وبهجة محب ، وفطنة متأمل ! وهل في أصناف البشر غير هؤلاء ؟! وقد يتلون المرء بينها جميعا على فترات متباينة أوحقب متعاقبة ، وقد يعيش دهره على نغم واحد .
إيه يا أحباب !
دعونا نتنهد ونطلق العبرات والآهات ..
دعونا نسامر الأحباب ونستظرف حلو الكلام..
دعونا نتفكر ساعة ونستشف المعاني العميقة ونقدح الأفهام..
إنني متربع في عرش السماء كي أنصت إليكم ، ولأمتزح معكم في دمعة ، وابتسامة ، وفكرة !
خلود داود أحمد