المقامة العباسية
بقلم أ/ عبد الجليل الروحاني
قال أبو الفتح اليماني : قال ضرغام : دارت عجلة الزمن وأتت لنا بضيف من أرجاء الوطن , قد اعتمر العمامة, الصلاح والكرامة , يشع من محياه النور كثير البشر والسرور .
فقرأ عليّ السلام , فرحبت به غاية الترحيب , قال لي : كيف أخبارك أيها الألمعي الأديب ؟
فقلت : الحمد لله ؛ أخباري طيبة .
وسألته أنت من أي العصور , يا شمس الحبور . ؟
فأجابني : من عصر بني العباس الزاهر الزاخر بالعلم والأدب الباهر
ثم أخذته إلى جولة في المدينة , فتجولنا وإذا في أغوار نفسه أسئلة دفينة .
ففطنت لما يدورفي خلده.
فقلت له : لعلك قد أخذتك عيون الدهشة وخيمت عليك طيور الوحشة , من هذه المعالم الجديدة , التي ما عهدتها منذ الأزل أيها الهمام الأجل .
وقلت له إن عصرنا الحديث أرقى العصور , عصر الازدهار والنور .
تطور في العلوم والمعارف اختراعات وابتكارات لطائف.
ثم ذهبنا على جناح السرعة إلى داري , وتناولنا الطعام , وتجاذبنا أطراف الكلام .
فقلت له : لم أسألك عن اسمك .
فقال : نعم . نعم أبو الحارث العباسي .
فقال لي : أما أنت فلن أسألك عن اسمك !
فشهرتك قد طبقت الآفاق , ومع ذلك فأنت ضرغام بطل مقامات الروحاني , في الصقع اليماني .
ثم قلت له : سأريك خارقة من خوارق الاختراع , ورائعة من روائع الإبداع .
فأومأت إلى جهاز التلفاز , فلما رأى الجهاز , رأيت كأنّ في أغوار نفسه حفرت العديد من الأحاجي والألغاز
فقال لي - متعجبا - : ما هذا الشيء يا ضرغام ؟ !!!!
أجبته قائلاً : هذا جهاز , ينقل لك الخبر من البوادي والحضر , جامع بين الصوت والصورة الحية , وينقل الأنباء والمشاهد العربية والعالمية .
ففتحت التلفاز , فرأينا مشاهد الدمار في فلسطين ولبنان , فئام (جموع ) مضرجة بالدماء , سمعنا عويل النساء , وكذا سُمع للأطفال بكاء , وجلبة وضوضاء , ومنازل سقطت على هامات أصحابها الأبرياء .
فقال أبو الحارث : ما هذا يا ضرغام ؟
قال ضرغام : هؤلاء قوم كماة أباة أشاوس , رفضت الضيم والركوع للعدو الجبان .
وكانوا لمقدسات الأمة نعم الأمين الحارس , ليوث رفضت تقيبل الحذاء من أجل الغذاء .
ثم أردف قائلاً : وأين الأمة العربية ؟
فقلت له : تفرقوا شذر مذر. أمة أصبحت كالطائر مقصوص الجناح أمة طريحة الفراش مثخنة بالجراح
أمة باعت نفسها , وتناست أمسها .
فدعا : اللهم لمّ شتات الأمة , انتشلها من الخطوب المدلهمة , ووحد صفها .
يا غياث المستغيثين
فقلت : اللهم آمين .
ثم شكرني على حسن الحفاوة والضيافة , وودعني أبو الحارث صاحب الحصافة .
فكتبت في صدر الزمان, , حكمة الأوطان :
يا ابن الوليد ألا سيف تناولنا فإن أسيافنا قد أصبحت خُشبا لا تخبروه رجاءً عن هزائمنا فيمتلئ قبره من قومه غضبا