فكرة البكاء تطغي علي ، أشعر بالحزن ، بالوحدة ، لا أحد معي ، أفكر بالرحيل ، تمر في رأسي صورة أمي تغشي عينيها الدموع ، وأبي الذي اعتراه الكبر ، ترى لمن أتركهم ؟؟
ما أصعب الإغتراب ، حين نضيع في مساحاته الشاسعة ، حين نحس بأن الكل صار بعض ، يقتل فينا الشوق والحنين طعم الحياة ، يلقي بنا على الهامش ، فلا أصول ولا جذور ولا انتماء .
أحس أفكاري تحمل معولا ، تدق فيه داخل رأسي ، تنحت صورا ، تشكل أحلاما كانت يوما لتبقيها في الذاكرة فلا تمحى ، وتحفر ألاما أحاول الهرب منها ، وكأنها تأبى علي أن أنعم بالراحة .
أفكر بهذا القيد الذي لا أستطيع التحرر منه ، لا أستطيع التخلي عنه ، ينتابني الفزع لو أني حاولت فكه من قدمي ويدي وعقلي ، ولكني أحس أني أختنق ، تضيق علي الجدران من حولي حتى لتكاد تسحقني .
ترى .. كيف السبيل إلى الخروج من هذا الواقع الأليم ، وليس هناك إلا صوت يناديني ، يلح في النداء ، يقتلعني من صبري ، يعذبني ، يسلبني النوم والراحة ، ألا حي على الجهاد ..
كم أود لو أترك كل هذا ، انسل بصمتي ، حتى لا أرى الدمع والإنكسار في أعينهم ، ولا أسمع صوت أنين قلوبهم ، كالجبناء أفر منهم ، وهل هذا جبن ؟؟؟ أتساءل .. هل يكون جبنا لو فكرت بأن أتركهم للعجز والألم والحرقه .
في كل يوم أرى ما آل إليه حال هذه الأمة ، أرى القتل والدمار ، أرى التخاذل ، والعار يكسو نهاراتنا وليالينا ، ونحن نطبق على الصمت ، ليس لنا سوى أن نذوب في داخلنا خجلا وألما .
أترانا نحس بالخجل ؟؟ أترانا نعرف الحياء ، أو تراه بقيت فينا دماء تجري في هذه الوجوه الصفيقة التي أصابها الجمود فما عاد يظهر عليها انفعال ، أم نتخذ ركنا نتباكى فيه قتلانا وكرامتنا وننتظر محكمة العدل الدولية لكي تحكم علينا بالإعدام مرات ومرات ؟؟
أي برود يعتري هذه العقول وهذه القلوب ؟؟ كيف يهنأ لهم نوم ، هل يحسون الراحة فوق فراش الحرير الموشى بالشوك ، هل فقدوا الإحساس ؟؟ جف دمعي ،، وهربت الدماء من شراييني .. فمن أين المداد أستسقيه ليراع غص بالكمات ، يخجل من صمته ويخجل من قول الكلم .
هو ذا عدونا ، يخرج جنونه نيرانا من لهب ، متعطش للدماء كما هو دوما حين تأتيه نوبات الصرع ، قتل عشوائي بلا هوادة ، حرب إبادة ، لا فرق بين شيخ وطفل وامرأة أو شجر أو حجر ، يلقي الدمار في كل اتجاه ، والشعوب المقهورة تحني للسادة الجباه ، تكتفي بمن ندد أو شجب ، تحقن الغضب ، وتسكب الدمع في السر ، تلوك آلامها ، تبوح ليلا أحزانها ، تشتم تزبد تعربد ، وحين تشرق الشمس تصفق لسجانها .
ما بالي يصيبي الوجوم ، والحيرة في عينيي ؟؟ لم أعلق ناظري بالسماء ، أأنتظر الملائكة أن تأتي بالمدد ؟؟
هل تأملتم معنى صمتي وحزني ، أسمتعم ما يعتمل به صدري ، أحس بركان الغضب يقتل بي الصبر يسحقني الصمت ، ويعذب الضمير مني ، وأنا أحس عجزي ، والقتل والدمار حولي ، ولا مدد .
ذابت الصور ، أطبق الصمت ، أغيب في لحظة يأس مرير ..