أحدث المشاركات

لبنان» بقلم عبده فايز الزبيدي » آخر مشاركة: عبده فايز الزبيدي »»»»» تعقيبات على كتب العروض» بقلم عبده فايز الزبيدي » آخر مشاركة: عبده فايز الزبيدي »»»»» نظرات فى تفسير سورة الإخلاص» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» ( و كشـفت عن ساقيها )» بقلم ناديه محمد الجابي » آخر مشاركة: محمد نعمان الحكيمي »»»»» الأصواتيون وعِلم العَروض العربي.. عجيبٌ وأعـجب..!» بقلم ابو الطيب البلوي القضاعي » آخر مشاركة: ابو الطيب البلوي القضاعي »»»»» الخِصال السّبع» بقلم مصطفى امين سلامه » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» رباعيات للشاعر صلاح چاهين» بقلم سالى عبدالعزيز » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» المعاني النحوية - رأي في آيات زوال الكيان الصهيوني» بقلم خالد أبو اسماعيل » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» من هو السامري - رأيي» بقلم خالد أبو اسماعيل » آخر مشاركة: خالد أبو اسماعيل »»»»» دفق قلم القرآن والإنصات» بقلم نورة العتيبي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»»

النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: وفاة الأديب العالمي الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ

  1. #1
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,347
    المواضيع : 575
    الردود : 10347
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي وفاة الأديب العالمي الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ


    بعد معاناة مع المرض
    وفاة الأديب العالمي الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    القاهرة-وكالات
    توفي الروائي المصري نجيب محفوظ الحائز جائزة نوبل للاداب لعام 1988 فجر الاربعاء 30-8-2006 في مستشفى الشرطة في ضاحية العجوزة في العاصمة المصرية بعد معاناة مع المرض, بحسب ما اعلنت مصادر في وزارة الداخلية المصرية.
    وظل محفوظ الذي توفي عن عمر يناهز 94 عاما في وحدة العناية المركزة بالمستشفى بعد أن أصيب بهبوط مفاجئ في ضغط الدم وفشل كلوي. وهو في المستشفى منذ 19 يوليو تموز بعد سقوطه في الشارع واصابته بجرح غائر في الرأس تطلب جراحة فورية.
    وحاز محفوظ على جائزة نوبل في الآداب عام 1988. وهو نجيب محفوظ بن عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد باشا، واسمه المفرد مركب من اسمين تقديراً -من والده- للطبيب العالمى الراحل نجيب محفوظ الذى أشرف على ولادته.
    ولد محفوظ في 11 ديسمبر 1911 في القاهرة، وحصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة من جامعة القاهرة وتدرج بالوظائف الحكومية حتى عمل مديرا عاما للرقابة على المصنفات الفنية عام 1959.
    أتم محفوظ دراسته الإبتدائية والثانوية و عمره 18 سنة. وقد التحق بالجامعة سنة 1930 ثم حصل على الليسانس في الفلسفة. ويعد محفوظ من الادباء العباقرة في مجال الرواية وقد وهب حياته كلها لهذا العمل، كما انه يتميز بالقدرة الكبيرة على التفاعل مع القضايا المحيطة به، واعادة انتاجها على شكل ادب يربط الناس بما يحصل في المراحل العامة التي عاشتها مصر. يتميز اسلوب محفوظ بالبساطة، والقرب من الناس كلهم، لذلك اصبح بحق الروائي العربي الاكثر شعبية.
    أعماله
    بدأ نجيب محفوظ بكتابة الرواية التاريخية ثم الرواية الأجتماعية. وتزيد مؤلفاته على 50 مؤلفاً.
    ترجمت معظم أعماله إلى جميع اللغات العالمية وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الروايةعام 1959.
    ومن رواياته و مجموعاته القصصية:
    • همس الجنون (1938)
    • عبث الأقدار (1939)
    • رادوبيس (1943)
    • القاهرة الجديدة (1945)
    • خان الخليلي (1945
    • زقاق المدق (1947)
    • السراب
    • بداية و نهاية (1950)
    • ثلاثية القاهرة: بين القصرين (1956)، قصر الشوق (1957)، السكرية (1957)
    • اولاد حارتنا (1959)
    • اللص والكلاب (1961م)
    • السمان و الخريف (1962)
    • الطريق (1964)
    • الشحاذ (1965)
    • ثرثرة على النيل (1966)
    • ميرامار (1967)
    • المرايا (1972)
    رحم الله فقيد الأدب .

    __________________
    حسبي اللهُ ونعم الوكيل

  2. #2
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,347
    المواضيع : 575
    الردود : 10347
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الموقع الرسمي للفقيد
    معلومات أخرى ،
    سيرة الأديب
    ولد في 11 ديسمبر 1911
    حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة عام 1934
    أمضى طفولته في حي الجمالية حيث ولد، ثم انتقل إلى العباسية والحسين والغورية، وهي أحياء القاهرة القديمة التي أثارت اهتمامه في أعماله الأدبية وفي حايته الخاصة.
    حصل على إجازة في الفلسفة عام 1934 وأثناء إعداده لرسالة الماجستير " وقع فريسة لصراع حاد" بين متابعة دراسة الفلسفة وميله إلى الأدب الذي نمى في السنوات الأخيرة لتخصصه بعد قراءة العقاد وطه حسين.
    تقلد منذ عام 1959حتى إحالته على المعاش عام 1971 عدة مناصب حيث عمل مديراً للرقابة على المصنفات الفنية ثم مديراً لمؤسسة دعم السينما ورئيساً لمجلس إدارتها ثم رئيساً لمؤسسة السينما ثم مستشاراً لوزير الثقافة لشئون السينما
    بدأ كتابة القصة القصيرة عام 1936 . وانصرف إلى العمل الأدبي بصورة شبه دائمة بعد التحاقه في الوظيفة العامة.
    عمل في عدد من الوظائف الرسمية، ونشر رواياته الأولى عن التاريخ الفرعوني. ولكن موهبته ستتجلى في ثلاثيته الشهيرة ( بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية) التي انتهى من كتابتها عام 1952 ولم يتسن له نشرها قبل العام 1956 نظرا لضخامة حجمها.
    نقل نجيب محفوظ في أعماله حياة الطبقة المتوسطة في أحياء القاهرة، فعبر عن همومها وأحلامها ، وعكس قلقها وتوجساتها حيال القضايا المصيرية. كما صور حياة الأسرة المصرية في علاقاتها الداخلية وامتداد هذه العلاقات في المجتمع.
    ولكن هذه الأعمال التي اتسمت بالواقعية الحية لم تلبث أن اتخذت طابعا رمزيا كما في رواياته " أولاد حارتنا" و "الحرافيش" و "رحلة ابن فطومة".
    بين عامي 1952 و 1959 كتب عددا من السيناريوهات للسينما. ولم تكن هذه السيناريوهات تتصل بأعماله الروائية التي سيتحول عدد منها إلى الشاشة في فترة متأخرة.
    ومن هذه الأعمال " بداية ونهاية" و " الثلاثية" و " ثرثرة فوق النيل" و" اللص والكلاب" و " الطريق ".
    صدر له ما يقارب الخمسين مؤلفا من الروايات والمجموعات القصصية.
    ترجمت معظم أعماله الي 33 لغة في العالم .

  3. #3
    الصورة الرمزية زاهية شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2004
    المشاركات : 10,347
    المواضيع : 575
    الردود : 10347
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي


    رحم الله الفقيد الأديب الكبير نجيب محفوظ
    وتغمده برحمته وغفرله سيئاته وسيِّئاتنا
    وإنَّ لله وإنَّا إليه راجعون
    اختلفنا معه في رواية أولاد حارتنا
    ولكن لاأحد يستطيع أن ينكر عبقريته الفذة
    في كل ماقدمه من قصص وعطاء وفكر ندر
    مثيله اسألوا الله له المغفرة والرحمة ..
    أختكم
    بنت البحر

  4. #4
    الصورة الرمزية سلطان السبهان شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2004
    الدولة : شمال الجزيرة !!
    المشاركات : 3,808
    المواضيع : 145
    الردود : 3808
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    رحم الله الفقيد الأديب الكبير نجيب محفوظ
    وتغمده برحمته وغفرله سيئاته وسيِّئاتنا
    وإنَّ لله وإنَّا إليه راجعون
    اختلفنا معه في رواية أولاد حارتنا
    ولكن لاأحد يستطيع أن ينكر عبقريته الفذة
    في كل ماقدمه من قصص وعطاء وفكر ندر
    مثيله اسألوا الله له المغفرة والرحمة ..


    ماأصدق هذه الكليمات

    دمت زاهية
    ما دام أن الموت أقرب من فمي
    فمجرّد استمرار نبضي معجزة .........

  5. #5
    الصورة الرمزية نورا القحطاني قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2005
    الدولة : لنــــدن
    المشاركات : 2,077
    المواضيع : 71
    الردود : 2077
    المعدل اليومي : 0.30

    افتراضي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    إنا لله وإنا إليه راجعون
    الموت مصيبة عظيمة وكرب
    اللهم ارحمنا وارحم موتى المسلمين
    اللهم اغفر له وتجاوز عنه وارحمنا اذا صرنا إلى مصار إليه
    "
    "
    عفوك يا أرحم الراحمين
    *
    *
    *
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    تحية ورد
    نـورا
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.61

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخت الفاضلة الاديبة والشاعرة الاستاذة زاهية

    جزاك الـلـه خيرا , لهذا الموضوع , الذي ارى فيه تأبينا , وارى فيه وقفة استذكار , مع رحيل الاديب الكبير نجيب محفوظ , الذي شكل المنعطف الاهم , في تاريخ الرواية العربية , تغمد الـلـه الفقيد برحمته , وعوَض امتنا الخير دوما , وانا لله وإنا اليه راجعون .

    اخوكم
    السمان

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    الشخصية الإسلامية في رواية «زقاق المدق» لنجيب محفوظ(1)

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

    (1)
    تُعدُّ رواية "زقاق المدق" لنجيب محفوظ واحدة من أفضل رواياته في المرحلة "الاجتماعية الواقعية"( )، تلك المرحــلة التي تشمل رواياته الأربع: "القاهرة الجديدة" (1945م)، و"خان الخليلي" (1946م)، و"زقاق المدق" (1947م)، و"بداية ونهاية" (1949م).
    ورغم أن نجيب محفوظ قد قدَّم في هذه الرواية عدداً كبيراً من الشخصيات يحتاج إلى جهد نقدي مُوازٍ للإحاطة والإشارة إليه، إلا أننا سنتوقّف أمام شخصية ثرية قامت بدورها في البناء الروائي، وتُقدِّم نموذجاً متفرداً في أدب نجيب محفوظ، وهي شخصية "السيد رضوان الحسيني"، باعتبارها شخصية إسلامية، فاعلة، نشطة.
    وقد عني الكاتب بتقديم الشخصية في ملامحها الجسمية والنفسية جميعاً منذ السطور الأولى في الرواية، فأما ملامحها الجسمية، فيقدمها الكاتب بقوله: "كان السيد رضوان الحسيني ذا طلعة مهيبة، تمتد طولاً وعرضاً، وتنطوي عباءته الفضفاضة السوداء على جسم ضخم، يلوح منه وجه كبير أبيض، مُشرَب بحمرة، ذو لحية صهباء، يشع النور من غرة جبينه، وتقطر صفحته بهاءً، وسماحةً، وإيماناً"( ).
    وأما ملامحه النفسية فتتوزَّع في أكثر من فصل، يقول الروائي في الفصل الأول عنه: "كانت حياته، وخاصة في مدارجها الأولى ـ مرتعاً للخيبة والفشل، فانتهى عهد طلبه العلم بالأزهر إلى الفشل، وقطع بين أروقته شوطاً طويلاً من عمره دون أن يظفر بالعالمية، وابتُلي ـ إلى ذلك ـ بفقد الأبناء، فلم يبق له ولد على كثرة ما خَلَّف من الأطفال. ذاق مرارة الخيبة حتى أُترع قلبه باليأس أو كاد، وتجرّع غصص الألم حتى تخايل لعينيه شبح الجزع والبرم، وانطوى على نفسه طويلاً في ظلمة غاشية. ومن دجنة الأحزان أخرجه الإيمان إلى نور الحب، فلم يعد يعرف قلبه كرباً ولا هما. انقلب حبا شاملاً وخيراً عميماً وصبراً جميلاً، وطأ أحزان الدنيا بنعليه، وطار بقلبه إلى السماء، وأفرغ حبه على الناس جميعاً، وكان كلما نكد الزمان عنتاً ازداد صبرا وحبا، رآه الناس يوماً يُشيع ابناً من أبنائه إلى مقرِّه الأخير وهو يتلو القرآن مشرق الوجه، فأحاطوا به مواسين مُعَزِّين، لكنه ابتسم لهم، وأشار إلى السماء، وهو يقول: "أعطى وأخذ، كل شيء بأمره، وكل شيء له، والحزن كفر" فكان هو العزاء. ولذلك قال عنه الدكتور بوشي: "إذا كنت مريضاً فالمس السيد الحسيني يأتيك الشفاء، وإذا كنت يائساً فطالع نور غرته يدركك الرجاء، أو محزوناً فاستمع إليه يُبادرك الهناء". وكان وجهه صورةً من نفسه، فهو الجمال الجليل في أبهى صوره"( ).
    وفي الفصل السادس يستكمل الروائي الصورة: "كان وجهه الأبيض يفيض بشراً ونوراً، تُحيط به لحيته الصهباء إحاطة الهالة بالقمر. وكان كل شيء حوله يلوح بالقياس إلى طمأنينته الراسخة قلقاً مضطرباً. وكان نور عينيه صافياً نقيا ينطق بالإيمان والخير والحب والترفُّع عن الأغراض"( ).
    ويُضيف الحوار على لسان السيد رضوان الحسيني ما يُكمل الصورة النفسية للرجل المؤمن، الصادق في إيمانه الذي يعرف أن الأقدار بيد الله، وأن المصائب اختبار منه، وأن الحب يقهر الكراهية ويتغلّب عليها. يقول الروائي على لسانه:
    -لا تقل مللت! الملل كفر. الملل مرض يعتور الإيمان. وهل معناه إلا الضيق بالحياة! ولكن الحياة نعمة الله سبحانه وتعالى، فكيف لمؤمن أن يملها أو يضيق بها؟ ستقول ضقت بكيت وكيت، فاسأل الله من أين جاءت كيت وكيت هذه؟ أليس من الله ذي الجلال؟ فعالج الأمور بالحسنى، ولا تتمرّد على صنع الخالق. لكل حالة من حالات الحياة جمالها وطعمها. بيد أن مرارة النفس الأمارة بالسوء تُفسد الطعوم الشهية. صدِّقني إن للألم غبطته، ولليأس لذته، وللموت عظته، فكل شيء جميل، وكل شيء لذيذ! كيف نضجر وللسماء هذه الزرقة، وللأرض هذه الخضرة، وللورد هذا الشذا، وللقلب هذه القدرة العجيبة على الحب، وللروح هذه الطاقة على الإيمان؟ كيف نضجر وفي الدنيا من نحبهم، ومن نعجب بهم، ومن يحبوننا، ومن يعجبون بنا، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا تقل مللت"( ).
    وهو المعنى نفسه ـ تقريباً ـ الذي يكرره بعد ذلك في الصفحة نفسها:
    "أما المصائب فلنصمد لها بالحب، وسنقهرها به. الحب أشفى علاج، وفي مطاوي المصائب تكمن السعادة كفصوص الماس في بطون المناجم الصخرية، فلنلقّن أنفسنا حكمة الحب"( ).
    أما ملامحه الاجتماعية فهو مقصد الناس عند الشدة، وعندما تمر بهم مشكلة؛ ولهذا فالسيدة "أم حسين" تلجأ إليه عساه يستطيع إصلاح زوجها، وإبعاده عن طريق الغي الذي مازال سادراً فيه:
    اللهم عفوك ورحمتك" .. نطقت الست "أم حسين" بهذه العبارة وهي ماضية إلى مسكن السيد رضوان الحسيني … أعياها إصلاح زوجها وعجزت عن ردعه، فلم تر بدا في النهاية من مقابلة السيد رضوان، لعله أن يفلح هو ـ بصلاحه وهيبته ـ فيما فشلت فيه"( ).
    وهو الناصح الأمين لهم، فعندما يقرر عباس الحلو أن يذهب للعمل في معسكر الإنجليز "باركه السيد رضوان الحسيني، ودعا له طويلاً، وقال له ناصحاً:
    - اقتصد ما يفيض عن حاجتك من مرتبك، واحذر الإسراف والخمر ولحم الخنزير، ولا تنس أنك من المدق، وإلى المدق راجع"( ).
    وهو ذو مكانة اجتماعية طيبة بين الناس، فرغم أنه محدود الإمكانات المادية إلا أنه يتنازل عن حقه في الزيادة التي قررها الأمر العسكري بزيادة الإيجارات أيام الحرب العالمية الثانية، فلم يفد، ولم يثر من مصائب الحرب كما أفاد غيره:
    "إنه ليبدو لحبه الخير ولسماحته كما لو كان من الموسرين المثقلين بالمال والمتاع، وإن كان في الواقع لا يملك إلا البيت الأيمن من الزقاق وبضعة أفدنة بالمرج. وقد وجد فيه سكان بيته … مالكاً طيب القلب والمعاملة، حتى إنه تنازل عن حقه في الزيادة التي قررها الأمر العسكري الخاص بالسكن … رحمةً بساكنيه"( ).
    وهو يقدم المعونة لكل محتاج من أبناء الزقاق؛ فالشاعر المطرود من المقهى يشكو حاله للسيد رضوان الحسيني، الذي منحه أذنه عن طيب خاطر وهو يعلم بما يُكربه، وكان حاول مراراً أن يُثني المعلم كرشه عما اعتزمه من الاستغناء عنه دون جدوى. ولما انتهى الشاعر من شكواه طيّب خاطره، ووعده بأن يبحث لغلامه عن عمل يرتزق منه، ثم غمر كفه بما جادت به نفسه وهو يهمس في أذنه: «كلنا أبناء لآدم، فإذا ألحّت عليك الحاجة فاقصد أخاك، والرزق رزق الله والفضل فضله»( ).
    وقد اهتم الروائي ـ كما رأينا ـ بتقديم شخصية محبوبة اجتماعيا، قادرة على التأثير والعطاء في مجتمعها.
    (2)
    لا يتحرك السيد «رضوان الحسيني» وحده في فضاء رواية «زقاق المدق»، فهناك شخصيات أخرى تزحم الفضاء الروائي، فنجد في الرواية «نماذج فريدة ومختلفة من أمثال شخصية «المعلم كرشة» المصاب بالشذوذ الجنسي، وزوجته الثائرة، الحاقدة عليه دوماً، وابنه «حسين كرشة» المتمرد على روح الخنوع التي يتميز بها الزقاق، وشخصية «سليم علوان» ثري الحرب الذي لم يكتف بزوجته، فبدأ يفكر في الزواج من «حميدة» حتى تخلى عن أفكاره ومشروعاته عندما فاجأته الذبحة الصدرية وتراقص أمامه شبح الموت … ثم شخصية «زيطة» صانع العاهات للشحاذين والنصابين، والفران «جعدة» وزوجته «سنية الفرانة» التي تضربه أكثر من مرة يوميا بالشبشب، حتى يسمع الزقاق صراخه، وشخصية «الشيخ درويش» الذي كان يعمل مدرساً اللغة الإنجليزية ثم نزع إلى التصوف الذي قارب حد الجنون والهوس، وشخصية «الست سنية عفيفي» الأرملة المتصابية التي لم تكن تفكر إلا في الزواج، وكيفية الحصول على زوج، حتى ولو أنفقت كل ما تدخره بعد وفاة زوجها، وشخصية «عم كامل» بائع البسبوسة الذي يستيقظ من النوم لكي ينام مرة أخرى بسبب لحمه وشحمه المتراكمين»( ) و«عباس الحلو» الحلاق، الذي يريد الزواج من «حميدة»، و«فرج إبراهيم» القواد.
    ولن نستطيع أن نتناول علاقة «السيد رضوان الحسيني» بكل هذا الحشد من الشخصيات، ولذا فسنتوقف أمام علاقته بأكثر الشخصيات أهمية في بناء الرواية وهي شخصية البطلة: «حميدة».
    (3)
    تعد شخصية «حميدة» هي الشخصية الرئيسة في هذه الرواية، يشخصها الروائي على هذا النحو:
    «في العشرين، متوسطة القامة، رشيقة القوام، نحاسية البشرة، يميل وجهها للطول في نقاء ورواء، وأميز ما يميزها عينان سوداوان جميلان، لهما حور بديع فاتن، ولكنها إذا أطبقت شفتيها الرقيقتين وحدّت بصرها تلبسها حالة من القوة والصرامة، لا عهد للنساء بها»( ).
    وفي هذا الوصف ركّز على ملامحها الجسمية حيث أشار للونها «نحاسية البشرة»، وقامتها «رشيقة القوام»، وملامحها «يميل وجهها للطول في نقاء ورواء، وأميز ما يميزها عينان سوداوان جميلان، لهما حور بديع فاتن»، وأشار في نهاية الفقرة إلى بعض ملامحها النفسية «ولكنها إذا أطبقت شفتيها الرقيقتين وحدّت بصرها تلبسها حالة من القوة والصرامة، لا عهد للنساء بها».
    ولكنه في مكان آخر يشير إلى الملامح الجسمية، والنفسية، ويشير إلى الملامح الاجتماعية عرضاً في أنها «مقطوعة النسب»، يقول:
    «العصر .. عاد الزقاق رويداً إلى عالم الظلال، والتفت حميدة في ملاءتها، ومضت تستمع إلى دقات شبشبها على السلم في طريقها إلى الخارج، وقطعت الزقاق في عناية بمشيتها وهيئتها لأنها تعلم أن أعيناً أربعاً تتبعها متفحصة ثاقبة: عيني السيد سليم علوان صاحب الوكالة، وعيني عباس الحلو الحلاق. ولم تكن تفاهة ثيابها لتغيب عنها؛ فستان من الدمور، وملاءة قديمة باهتة، وشبشب رق نعلاه، بيد أنها تلف الملاءة لفة تشي بحسن قوامها الرشيق، وتصور عجيزتها الملمومة أحسن تصوير، وتبرز ثدييها الكاعبين، وتكشف عن نصف ساقيها المدملجتين، ثم تنحسر في أعلاها عن مفرق شعرها الأسود، ووجهها البرنزي الفاتن القسمات … وهي فتاة مقطوعة النسب، معدمة اليد، ولكنها لم تفقد قط روح الثقة والاطمئنان. ربما كان لحسنها الملحوظ الفضل في بث هذه الروح القوية في طواياها. ولكن حسنها لم يكن صاحب الفضل وحده، كانت بطبعها قوية، ولا يخذلها الشعور بالقوة لحظة من حياتها، وكانت عيناها الجميلتان تنطقان أحياناً بهذا الشعور نطقاً يذهب بجمالها في رأي البعض، ويُضاعفه في رأي البعض الآخر. فلم تفتأ أسيرة لإحساس عنيف يتلهف على الغلبة والقهر، يتبدّى في حرصها على فتنة الرجال»( ).
    إنها ترى أحلامها أكثر من إمكاناتها وواقعها، وترى أن الزقاق يضيق عن أن يستوعب أحلامها. ومن ثم فهي تشعر بنفور من الزقاق وأهله:
    «مرحباً يا زقاق الهنا والسعادة. دمت ودام أهلك الأجلاء. يا لحسن هذا المنظر، ويا لجمال هؤلاء الناس! ماذا أرى؟! هذه حسنية الفرانة جالسة على عتبة الفرن كالزكيبة عيناً على الأرغفة، وعيناً على جعدة زوجها، والرجل يشتغل مخافة أن تنهال عليه لكماتها وركلاتها. وهذا المعلم كرشة متطامن الرأس كالنائم وما هو بالنائم. وعم كامل يغط في نومه، والذباب يرقص على صينية البسبوسة بلا رقيب. آه. وهذا عباس الحلو يسترق النظر إلى النافذة في جمال ودلال، ولعله لا يشك في أن هذه النظرة سترميني عند قدميه أسيرة لهواه، أدركوني يا هوه قبل التلف. أما هذا فالسيد سليم علوان صاحب الوكالة، رفع عينيه يا أماه وغضّهما، ثم رفعهما ثانية، .. قلنا الأولى مصادفة، والثانية يا سليم بك؟! رباه هذه نظرة ثالثة! ماذا تريد يا رجل يا عجوز يا قليل الحياء؟! .. مصادفة كل يوم في مثل هذه الساعة؟! ليتك لم تكن زوجاً وأباً إذن لبادلتك نظرة بنظرة، ولقلت لك أهلاً وسهلاً ومرحبا. هذا كل شيء، هذا هو الزقاق فلماذا لا تهمل حميدة شعرها حتى يقمل؟!»( ).
    إنها شخصية غير منتمية، لا تُكن أية مشاعر طيبة لهذا الزقاق. فهي تسميه «زقاق العدم»( ). وإنها لتشمئز من الملابس المهلهلة التي ترتديها، وترى أن الملابس الجديدة هي كل شيء في الحياة: «ما قيمة هذه الدنيا بغير الملابس الجديدة؟! ألا ترى أن الأولى بالفتاة التي لا تجد ما تتزين به من جميل الثياب أن تُدفن حية؟!»( ). ومن ثم فهي تسلق الزقاق (زقاق العدم)! بلسانها في مثل هذه المحاورة بينها وبين أمها بالتبني:
    «ـ لستُ أجري وراء الزواج، ولكنه يجري ورائي أنا، وسأنبذه كثيراً.
    ـ طبعاً! أميرة بنت أمراء
    فتغاضت الفتاة عن سخرية أمها، وقالت بنفس اللهجة الحادة:
    ـ أفي هذا الزقاق أحد يستحق الاعتبار؟

    ـ لا تسلقي الزقاق بلسانك، إن أهله سادة الدنيا!
    ـ سادة دنياك أنت. كلهم كعدمهم»( ).
    هذه الشخصية القلقة اللامنتمية، تبحث عن الثراء؛ فرغم خطبتها لعباس الحلو إلا أنها تفرح فرحاً طاغياً حين تخبرها أمها أن السيد سليم علوان «على سن ورمح» صاحب الوكالة يطلب يدها «وأنصتت إلى المرأة بانتباه عميق وهي تروي قصتها. وخفق قلبها خفقاً متواصلاً، وتورّد وجهها، وتألّقت عيناها بشراً وسروراً. هذه هي الثروة التي تحلم بها، هذا الجاه الذي تهيم به. وإنها من حب الجاه لفي مرض، وإن الشغف بالقوة لغريزة جائعة في بطنها. فهل يُتاح لها جاه أو ارتواء بالثروة؟»( ).
    ولكن الأم تتذكّر أنها مخطوبة، وأنها قرأت الفاتحة مع الحلو، وتذهب لتستشير «السيد رضوان الحسيني» «فجفلت الفتاة من هذا الاسم قائلة:
    ـ ما شأنه في أمر يخصني وحدي؟
    ـ نحن أسرة لا رجل لنا، فهو رجلنا»( ).
    واختيار الأم للسيد رضوان الحسيني للمشورة يشي باحترامه وتبجيله، ووضعه موضع القريب أو كبير العائلة، وقولها «هو رجلنا»، واختيارها إياه دون سواه يبين القيمة المعنوية العالية للشخصية الإسلامية.
    ولقد كان رأيه عاقلاً متوازناً: «الحلو شاب، والسيد سليم شيخ، وأن الحلو من طبقتها والسيد من طبقة أخرى، وأن زواج رجل كالسيد من فتاة مثل ابنتها لا بد محدث متاعب ومشكلات لا يبعد أن يصيب الفتاة بعض رشاشها»( ).
    ولكن الرشاش أصاب السيد رضوان من فم حميدة الذي لا يرحم، فقد صاحت بصوت جاف حينما سمعت من أمها ما قاله الشيخ، والشرر يتطاير من عينيها:
    «ـ السيد رضوان ولي من أولياء الله، أو هذا ما يحب أن يتظاهر به أمام الناس، وإذا قال رأياً لم يبال مصلحة الناس في سبيل اكتساب الأولياء مثله، فسعادتي لا تهمه في قليل أو كثير، ولعله تأثر بقراءة الفاتحة كما ينبغي لرجل يرسل لحيته مترين. فلا تسألي السيد عن زواجي، وسليه إن شئت عن تفسير آية أو سورة ..! أما والله لو كان طيباً كما تزعمون لما رزأه الله في أولاده جميعاً»( ).
    وقد رفض السيد رضوان الحسيني «تلبية رغبة حميدة وأمها في الارتباط بسليم علوان رباط زواج، ... لأنه يعلم أن الدين لم يشرع أن يخطب المسلم على خطبة أخيه «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يترك» وهي من شرع الإسلام. والكاتب يعرف ذلك لأنه علل منع الشيخ رضوان لإتمام هذا الزواج أن أم حميدة قد وافقت على خطبة حميدة من عباس الحلو قبل أن يتقدّم لها السيد سليم علوان»( ).
    ولم تتزوج «حميدة» بالسيد سليم علوان الذي مرض مرضاً شديداً، ولكنها غادرت الزقاق مع «القوّاد» فرج إبراهيم.
    وحين تُغادر إليه بيتها ذات يوم ليستدرجها في طريق الرذيلة والسقوط فإن أول ما تُحدث به نفسها هو: «ما عسى أن يقول السيد رضوان الحسيني مثلاً لو رآها تمرق إلى هذه العمارة؟»( ).
    إن الزقاق يعج بالشخصيات، ولكن شخصية السيد رضوان الحسيني وحدها هي التي تستدعيها ذاكرة «حميدة» في أولى خطوات انزلاقها. وكأن لا وعيها يريد أن يتشبث بالفضيلة التي رمتها وراء ظهرها عن اختيار واعٍ.
    وحينما تفكر «حميدة» في عرض «فرج إبراهيم» بالغواية، وأن يكون قواداً لها لتقتحم معه «حياة النور والثروة والجاه والسعادة، لا حياة البيت التعسة، والحبل والولادة والقذارة، حياة النجوم»( ) حينما تفكر في هذا العرض فإن السيد رضوان الحسيني يتراءى لها ليلاً وهي تفكر في حياتها المقبلة: «السلام عليكم يا إخوان»، .. هذا صوت السيد رضوان الحسيني الذي أشار على أمها برفض السيد علوان قبل أن يهتصره المرض، تُرى ماذا يقول عنها غداً إذا تناهى إليه الخبر؟»( ).
    إن السيد رضوان الحسيني يمثل ـ في الرواية ـ صوت النقاء والطهر والعفاف الذي حاول أن يحمي «حميدة» من نزواتها وطيشها، لكن نداءاته ضاعت سدى، لأن شخصية «حميدة» لم تكن لتلقي بالاً للتقى والطهر والعفاف. وما أصدق ما وصفها به الروائي وهو يصور انحدارها في السقوط في سخرية مرة:
    «عاهرة بالفطرة! تجلّت مواهبها، فبرعت في فترة قصيرة في أصول الزينة والتبهرج، وإن سخروا أول الأمر من سوء ذوقها، فكانت سريعة التعلم محسنة للتقليد. ولكنها سيئة الاختيار لألوان ثيابها، وفي ميلها إلى الحلي تبذل ملموس. ولو كان ترك الأمر (يقصد فرج إبراهيم) على ما تشتهي وتحب لتبدّت وكأنها «عالمة» في زواقها الفاقع، وحليها التي تكاد تغطي جسمها. وفيما عدا ذلك، فقد تعلّمت الرقص بنوعيه، ودلّت على مهارة في تعلم المبادئ الجنسية للغة الإنجليزية. ولم يكن النجاح الذي جاءها يجر أذياله بمستغرب، فتهافتت عليها الجنود، وتساقطت عليها أوراق النقود، وانتظمت في سلك الدعارة لؤلؤة منقطعة النظير»( ).
    كانت شخصية «السيد رضوان الحسيني» بالنسبة «لحميدة» تُمثل الضمير الذي يُحاول أن يردعها، ويُعيدها إلى طريق الحياة القويمة، والإيمان، والطهر. ولكنها بما أوتيت من قوة وتمرد كانت تصر على انطلاقتها الشيطانية في سبل الغواية والضلال.
    وتظل الصورتان ضروريتين للرواية، صورة الإيمان الذي لا تعوقه المصائب «السيد رضوان الحسيني»، وصورة «حميدة» التي تمثل العُهر المنفلت من كل القيود، والذي لا ينتمي إلا إلى طريق الضلال والغواية!
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
    *من كتاب "مقالات في الأدب العربي المعاصر" للدكتور حسين علي محمد

  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    قراءة في «أصداء السيرة الذاتية» لنجيب محفوظ (1)

    بقلم: أ. د. حسين علي محمد
    ...............................

    صدرت في الأعوام الأخيرة بعض كتب السيرة الذاتية، ومنها «شواهد ومشاهد» لعبد الحميد إبراهيم، و«مد الموج» لمحمد جبريل، وكلها يقتدي بنجيب محفوظ في كتابه «أصداء السيرة الذاتية»، حيث لا تُرصد السيرة الذاتية بطريقة السرد المعروفة، وإنما تُختار مشاهد أقرب إلى اللقطة الموحية، أو القصة القصيرة جدا، وقد أفادت هذه السِّيَر في هذه التقنية من كتاب نجيب محفوظ «أصداء السيرة الذاتية».
    وقد كتبتُ في مجلة «قرطاس» (عدد يناير 2001م) مقالة عن كتاب «شواهد ومشاهد» لعبد الحميد إبراهيم، توقّفتُ فيها عند التشكيل والرؤى، وفي هذه المقالة سنلتقي مع خمسة مشاهد من كتاب «أصداء السيرة الذاتية» لنجيب محفوظ تقتربُ في تقنية كتابتها من «القصة القصيرة جدا»، وسنتوقف أمامها لتأمل دلالاتها الفكرية والثقافية.
    وسنلاحظ في هذه المشاهد أن نجيب محفوظ اتخذ من المرأة (التي طالت صحبتُه معها في الحياة وفي الفن) أداة فنية: حقيقية في المشاهد الثلاثة الأولى، ورمزية في المشهدين الرابع والخامس:
    المرأة والنضال!
    يقول في مشهد بعنوان «ليلى»:
    «في أيام النضال والأفكار والشمس المشرقة تألقت ليلى في هالة من الجمال والإغراء.
    قال أناس: إنها رائدة متحررة.
    وقال أناس: ما هي إلا داعرة.
    ولما غربت الشمس وتوارى النضال والأفكار في الظل، هاجر من هاجر إلى دنيا الله الواسعة.
    وبعد سنين رجعوا، وكل يتأبط جرة من الذهب وحمولة من سوء السمعة.
    وضحكت ليلى طويلا وتساءلت ساخرة:
    ـ ترى ما قولكم اليوم عن الدعارة؟!»( ).
    إن هذا المشهد يُشير إلى بداية التحرر الوطني (في الخمسينات والستينيات الميلادية من القرن الماضي) حيث خرجت المرأة إلى ميادين الحياة واختلف الناس في فهم هذا الخروج، الذي رآه البعض تحرراً ورآه البعض دعارة. ولكن الزمان اختلف ـ على حد تعبير الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة ـ وجاء عهد لا يرفع شعارات النضال، ولا يتعامل بمفردات القاموس التي شاعت في الخمسينيات والستينيات، بل ينحت ألفاظاً أخرى عن السوق المفتوحة، وفوائد السفر، والشركات متعددة الجنسيات، والرؤية الواقعية، والحل التاريخي مع إسرائيل … إلخ. وهاجر من هاجر إلى دنيا الله الواسعة؛ بحثاً عن استثمار أمواله التي كسبها في سنوات النضال، أو للراحة من النضال، أو للبحث عن الثروة، ويصور نجيب محفوظ هذا بقوله المفيد المختصر: «وبعد سنين رجعوا، وكل يتأبط جرة من الذهب وحمولة من سوء السمعة».
    وهنا يحق لليلى ـ التي عانت من قبل من هؤلاء، في أيام النضال والثورة ـ أن تتساءل، ساخرةً من أعمالهم الآن التي تتنافى مع أقوالهم «أيام النضال والأفكار»: «ترى ما قولكم اليوم عن الدعارة؟!».
    إن هذا المشهد يرسم لوحة رآها الروائي واختزنها، حتى أخرجها لنا في هذا المشهد، وكأنه يقول لنا لقد عشتُ عصر الكلام الجميل، و«الأيديولوجيا الاشتراكية» الذي سرعان ما اتضح زيف أصحابه المنادين به عند أول اختبار.
    المرأة والزمن
    وفي مشهد ثان بعنوان «النهر» يُقدِّم فيه صورة قد تكون حقيقية لامرأة عرفها، لكنه من خلالها يُشير إلى تدفق نهر الزمن، حتى ليُنسينا ما مررْنا به من تجارب حميمة. والمرأة هنا هي المرآة التي ينعكس عليها جريان هذا الزمن / النهر:
    «في دوامة الحياة المتدفقة جمعنا مكان عام في أحد المواسم.
    مَن تلك العجوز التي ترنو بنظرة باسمة؟
    لعلَّ الدنيا استقبلتنا في زمن متقارب.
    واتسعت ابتسامتُها، فابتسمتُ رادّاً التحية بمثلها.
    سألتني:
    ـ ألم تتذكّر؟
    فازدادت ابتسامتي اتساعاً.
    قالت بجرأة لا تتأتّى إلا للعجائز:
    ـ كنتَ أول تجربة لي وأنت تلميذ ..
    وساد الصمتُ لحظةً ثم قالت:
    ـ لم يكن ينقصنا إلا خطوة!
    وتساءلتُ مذهولاً:
    ـ أين ضاعت تلك الحياةُ الجميلة؟!»(ص80،81).
    إن العجوز تُعيد له قطعة جميلة من حياته ونزوات صباه، وكأنها جعلته يفطن إلى تدفق نهر الزمن، وأنه لم يعد يتذكر ما عاشه بالفعل، فيسأل ـ كأنه لا يُصدق ـ «أين ضاعت تلك الحياةُ الجميلة؟!».
    المرأة والتجربة الأليمة
    وفي مشهد ثالث بعنوان «الندم» يُقدِّم فيه صورة للمرأة التي ترمز إلى التجربة الآثمة الأليمة أو غير الصحية التي تُقابلنا في حياتنا، والتي نتذكرها بندمٍ، ولا بد من هذا الندم الذي هو علامة صحة نفسية، واستقامة دينية، وصحوة نفس ترفض الانجراف في الخطأ، أو مداومة السير في طريقه:
    «حملت إليَّ أمواجُ الحياة المُتضاربة امرأة، ما أن رأيتُها حتى جاش الصدر بذكريات الصبا. ولمّا ذابت حيرة اللقاء في حرارة الذكريات سألتُها:
    ـ هل تذكرين؟
    فابتسمت ابتسامة خفيفة تُغني عن الجواب.
    فقلتُ متهوِّراً:
    ـ التذكر يجب أن يسبق الندم!
    فسألتني:
    ـ كيف تجده؟
    فقلتُ بحرارة:
    ـ ذو ألمٍ كالحنين ..
    فضحكت ضحكة خافتة ثم همست:
    ـ هو كذلك، والله غفور رحيم!»( ).
    إن الإنسان قد يسقط، ويُمارس تجربة خاطئة في الحياة، لكنَّ الوعي بألم هذه التجربة (أو تلك الذكرى التعيسة) بدايةُ الرؤية الصحيحة للحياة وللأشياء، لأنها تعني تصحيحاً للخُطا، ورغبة حقيقية في عدم مداومة السير في الطريق الذي تبيَّن خطؤه!

    السوق / الحياة
    ويقول في مشهد رابع يمثِّل فيه السوق دنيا الله الواسعة:
    «ذهبتُ إلى السوق حاملاً ما خفَّ وزنُه وغلا ثمنه، واتخذتُ موضعي منتظراً رزقي. وهدأ الضجيجُ فجأة، واشرأبَّت الأعناق نحو الوسط. نظرتُ فرأيتُ ست الحسن تتهادى في خُطا ملكة على أحسن تقويم. سلبت عقلي وإرادتي قبل أن تُتم خطوة، فنهضت لأتبعها مخلفاً ورائي العقل والإرادة وأسباب رزقي، حتى دخلتُ بيتاً صغيراً أنيقاً يُطالع القادم بحديقة الورد. واعترض سبيلي بواب مهيب الجسم، حسن الهندام، وحدجني بنظرة مستنكرة، فقلت:
    ـ إني على أتم استعداد لأهبها جميع ما أملك.
    فقال الرجل بلهفة قاطعة:
    ـ إنها لا تُرحب بمن يجيئون إليها هاجرين عملهم في السوق»( ).
    إن المرأة الجميلة هنا ترمز للحياة الرخية الهانئة السعيدة، التي يحلم بها الكادحون في هجير الحياة، والتي لن ينالوها إلا بالتعب، والسعي في أسباب الرزق، التي يرمز إليها الكاتب بـ«السوق».
    وكأنه يقول لنا إن حلم الوصول إلى السعادة والعيش الهنيء في ظلالها ـ دون تعب ـ محاولة عقيم!
    المرأة والحقيقة!
    ويقول في مشهد خامس بعنوان «على الشاطئ»:
    «وجدت نفسي فوق شريط يفصل بين البحر والصحراء. شعرتُ بوحشة قاربت الخوف. وفي لحظة عثر بصري الحائر على امرأة تقف غير بعيدة وغير قريبة. لم تتضح لي معالمها وقسماتها، ولكن داخلنا أمل بأنني سأجد عندها بعض أسباب القربى أو المعرفة. ومضيت نحوها ولكن المسافة بيني وبينها لم تقصر ولم تبشر بالبلوغ. ناديتُها مستخدماً العديد من الأسماء والعديد من الأوصاف فلم تتوقف ولم تلتفت.
    وأقبل المساء وأخذت الكائنات تتلاشى، ولكنني لم أكف عن التطلع أو السير أو النداء»( ).
    والمرأة في المقطع السابق تُمثِّل الحقيقة التي نبحث عنها فلا نُصادف إلا الوهم، وقد انتقل السارد من صوت الفرد إلى صوت الجماعة من خلال الضمير «نا» في قوله: «داخلنا أمل بأنني سأجد عندها بعض أسباب القربى أو المعرفة». ولكن هاهو عمر الفرد ـ نجيب محفوظ ـ يُشرف على النهاية (أو هو عمر البشرية التي أوغلت في التاريخ) والمنادي لم يظفر ببغيته في معرفة الحقيقة رغم إلحاحه على معرفتها: «ناديتُها مستخدماً العديد من الأسماء والعديد من الأوصاف فلم تتوقف ولم تلتفت»، وستظل الرغبة في الحياة ومراودة المعرفة أملاً يُخايل الإنسان ويؤرق وجوده، وقد يصل إلى الخاتمة قبل أن يصل إلى الحقيقة! «وأقبل المساء وأخذت الكائنات تتلاشى، ولكنني لم أكف عن التطلع أو السير أو النداء».
    وما أكثر التجارب التي تناولها نجيب محفوظ تناولاً فنيا من خلال تصويره المرأة تصويراً حقيقيا، أو رمزاً فنيا يُبلِّغ من خلاله ما يريد أن يقوله في فنية عالية، تمرّس عليها خلال رحلته الإبداعية الطويلة التي تقترب من ثلاثة أرباع قرن!
    ................................
    *من كتاب «مقالات في الأدب العربي المُعاصر» للدكتور د. حسين علي محمد، سلسلة «أصوات مُعاصرة» المنصورة 2004م.

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    علاقة نجيب محفوظ الشاب بأبي... سلامة موسى

    بقلم: د. رؤوف سلامة موسى
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

    بدأت علاقة نجيب محفوظ بسلامة موسى عندما اصدر الاخير مجلته "الجديدة" في 1929، بعد تركه تحرير "الهلال". فقد أرسل نجيب محفوظ اشتراكاً في "الجديدة" وكتب لصاحبها يُبدي اعجابه بها، ورغبته في الكتابة فيها. فكتب له سلامة موسى يشكره، ويدعوه الى زيارته. وبدأ نجيب محفوظ يتردد على منزل سلامة موسى، حيث إدارة مجلته، وينشر فيها مقالاته التي اطلق عليها اسم "الفلسفية". (نشرت إحدى دور النشر المصرية أخيراً، كتاباً جمعت فيه 21 مقالاً من مقالات نجيب محفوظ الاولى مما نشره في "الجديدة" وغيرها من المجلات. ولكن الكتاب لم يضم مقالاته كافة في "الجديدة"، مثل مقاله "الله" وغيره. وننصح المهتم بالأمر الرجوع الى مجلدات "المجلة الجديدة" التي تعيد "سلامة موسى للنشر والتوزيع" نشرها بمعونة صندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة المصرية، وكذلك كتابها أخيراً "مقالات نجيب محفوظ الفلسفية في مجلة سلامة موسى الجديدة").
    كان نجيب محفوظ وقتها طالباً بالثانوية، ثم بقسم الفلسفة في كلية آداب الجامعة "المصرية". وكان سلامة قد ظن عندما تسلم رسالة نجيب محفوظ أنه اكبر سناً. ولكنه لم يكن تجاوز التاسعة عشر. ويقول نجيب محفوظ إن صورة سلامة موسى في ذهنه في ذلك الوقت "كانت ترتبط بالعدالة الاجتماعية، والديموقراطية، والتصنيع، وحرية المرأة، وأهمية العلم. هذه المفردات كانت شاغل سلامة موسى الأساسي. وكنت كلما كتبت مقالاً، قدمته إليه، وجلسنا نتناول الحديث".
    كان نجيب محفوظ قد نشر حتى ذلك الوقت عدداً قليلاً من المقالات المختلفة في بعض المجلات الأخرى. ولكنه بعد تعرفه على سلامة موسى، وتأثره به، بدأ يقصر كتاباته على مجلته، ويتأثر به في أهدافه واتجاهاته. وأخذ سلامة موسى "يوجهه، ويسدد خطاه" وأصبح، وهو الذي كان يكبره بحوالى عشرين عاماً "بمثابة الوالد او المربي لنجيب محفوظ. وتأثر نجيب محفوظ بشدة بشخصية سلامة موسى وتوجهاته، وأفكاره ولغته. وأصبحت ثقته فيه مطلقة، بل عمياء".
    ولم يكن سلامة موسى بالكاتب العادي. فإنه كان نشر منذ كان في سن نجيب محفوظ كتيباته الثلاثة الاولى "مقدمة السبرمان" و"الاشتراكية" و"نشوء فكرة الله". واشتهر بعد ذلك بكتبه "حرية الفكر وأبطالها في التاريخ" و"نظرية التطور وأصل الإنسان" وغيرها.
    ومجلته "الجديدة" كانت طليعة الحركة التقدمية والتنويرية في ثلاثينات القرن الماضي. كتب في أعدادها الشهرية طه حسين، ومحمود عزمي، ومحمود تيمور، وزكي أبو شادي، وإبراهيم ناجي، ومنصور فهمي، وحسين مؤنس، ومحمود العرابي، وزكي نجيب محمود، وعبد الحميد يونس، وفريد أبو حديد، ويحيى حقي، وسليمان حزين، وإسماعيل مظهر، وزكي مبارك، وإبراهيم المازني، وإسماعيل أدهم، وأحمد رامي، وصدقي الزهاوي. وتحدثت المجلة عن العلوم والتصنيع، وعن الاشتراكية وعن السيريالية، وغيرها.
    وتصدت لمحاربتها منذ صدورها جهات سلفية مصرية وعربية مختلفة. ويكفي أن الأزهر كتب وقتها لوزارة المعارف العمومية، يطلب منها ألا تشترك لمدارسها في "الجديدة". ولم يمض على صدورها سنتين، حتى اغلقها الطاغية إسماعيل صدقي أربعة عشر شهراً. ثم سمح لها عدلي يكن في 1933 بمعاودة الصدور. فاستمرت تصدر حتى 1942.
    نشر سلامة موسى لنجيب محفوظ في مجلته "الجديدة" اول مقال له "احتضار معتقدات وتولد معتقدات" في تشرين الاول (اكتوبر) 1930. ولما عُطلت المجلة شهوراً، اتجه نجيب محفوظ إلى صحف أخرى. ثم عاد فنشر في "الجديدة" في 1934 مقاله الثاني "ثلاثة من أدبائنا". وتوالت بعد ذلك مقالاته في "الجديدة"، خصوصاً خلال السنوات 1935 وما بعدها.
    وكان سلامة موسى نشر لنجيب محفوظ في 1932، اول كتاب مترجم له هو "مصر القديمة". وفي بعض أحاديث نجيب محفوظ عن كتابة الرواية، اشار الى ان سلامة ذكر له "ان الرواية حس ادبي لا يصلح في اللغة العربية. وذلك لأن للمرأة دائماً دوراً رئيسياً في اي رواية، في حين انها لا دور لها في الحياة المصرية". وعقب نجيب محفوظ على ذلك بقوله إن سلامة موسى ظن لهذا السبب أن الرواية "فن يناسب الغرب، ولا يناسبنا نحن. ولكن الحياة تغيرت بعد ذلك" كما يقول نجيب محفوظ "وأصبح للمرأة المصرية دور في مجتمعنا وفي حياتنا. فتغير رأي سلامة موسى".
    ويذكر نجيب محفوظ انه في بعض أحاديثه مع سلامة موسى، بين 1932 و1934، قد ذكر له انه يكتب الرواية. وان سلامة موسى طلب منه أن يطلعه على ما يكتب. فعرض عليه نجيب محفوظ ثلاث روايات، لم يرض عنها سلامة موسى، فأعدمها نجيب محفوظ. وكان منها رواية عن الريف المصري.
    ويسأل يوسف القعيد نجيب محفوظ عن السبب في إعدامه لها. فيقول نجيب محفوظ: لأنها فقدت قيمتها في نظري. وسلامة موسى كنت أراه رجلاً صادقاً، وكلامه لا يُناقش. وكان يعاملني بكل الحب. وقد قال لي: عندك موهبة، ولكن هذه الروايات الثلاثة لا تصلح للنشر. كان عظيماً وصريحاً.
    هذه الثقة المطلقة لا تتأتى إلا عن حب وتقدير شديدين، وعن رغبة كاملة في التعلم والاحتذاء. وما قرأت "أنا" فكرة، او سطراً، في مقال او رواية لنجيب محفوظ، حتى قفزت الى خاطري فكرة اخرى، وسطوراً اخرى لسلامة موسى. فالتوجهات واحدة: علمانية واشتراكية وديموقراطية. ومناداة بالعمل والتصنيع. ووطنية لا تتناسى الفرعونية. وولاء لحزب الأكثرية الوفد، ولليسار، وللثورة. وبُعد عن الملكية الفاسدة وأحزاب الأقلية.
    ويقول الأديب اللبناني حنا عبود: كان نجيب محفوظ على وعي مذهل بشخصية مصر. وهو يقول انه قد تشرب هذا الوعي عن سلامة موسى.
    ويذكر نجيب محفوظ ان ابراهيم المازني حذره في بداية حياته من شيئين: الواقعية والالتزام. ومع ذلك لا نستطيع أن نقول إلا انه كان - كسلامة موسى - واقعياً وملتزماً.
    ويذكر نجيب محفوظ ايضاً أن محمود تيمور قضى فترة من الوقت، يشجعه على كتابة رواياته - على ما فعل هو في بعضها - بالعامية المصرية. ولكن نجيب محفوظ لم يكتب أبداً - مثل سلامة موسى - إلا بالفصحى المبسطة، التي كان سلامة موسى يطلق عليها اسم "التلغرافية".
    وفي 1934، نشر سلامة موسى لنجيب محفوظ أول قصة قصيرة في مجلته "الجديدة الأسبوعية" ثمن الضعف. وفي 1939، نشر له أول رواية مؤلفة "عبث الأقدار". وكان سلامة موسى يعمل في هذا الوقت في كتابه "مصر أصل الحضارة". وقد أنجبت له زوجته ابناً ذكراً سماه خوفو. فاقترح نجيب محفوظ على سلامة موسى أن يكون اسم روايته هو "خوفو". ولكن سلامة موسى ظن الاسم لا يصلح لرواية. واختار لها بنفسه اسم "عبث الأقدار".
    ويقول إبراهيم عبد العزيز في كتابه عن نجيب محفوظ "أساتذتي" على لسان نجيب محفوظ: اذكر الآن أول رواية نُشرت لي، فتتعالى دقات قلبي. لو أنني املك قوة البعث، لبعــثت حياً ذلك الرجل العظيم الذي نشرها لي، وأثر عليّ، وعلى جيل بأكمله.
    ويضيف نجيب محفوظ:
    "عشر سنوات كاملة، كان سلامة موسى هو الراعي والمربي، والناقد الأدبي لي. نشر لي مقالاتي وأنا في الثانوية، ثم وأنا في الجامعة. عشرات المقالات، وكتاباً مترجماً، وأولى قصصي، وأولى رواياتي.
    "إنه أستاذي العظيم. من النادر في الماضي أو الحاضر، أن نجد رجلاً مثله، يكتشف الموهبة، ويواكب نموها بالرعاية الكاملة، حتى تُعطي ثمارها. ومن النادر كذلك أن تجد مثل هذه الأخلاق الرفيعة، التي كان عليها".
    ويقول محمد دكروب في مجلة "أخبار الأدب" القاهرية: ان احمد شوكت في ثلاثية نجيب محفوظ، متأثر بالمفكر التقدمي اليساري عدلي كريم. وعدلي كريم هو المعادل الفني لشخصية المنور اليساري سلامة موسى. وفي شخصية أحمد شوكت جانب من الواقع من حياة محفوظ نفسه. فمحفوظ هو الذي تقدم للتعرف على سلامة موسى. قصده في أوائل الثلاثينات في إدارة مجلته "الجديدة"، وتوطدت بينهما علاقة انسانية وفكرية، كما بين استاذ وتلميذه. ونشر له سلامة موسى مقالاته الفلسفية، وأولى قصصه ورواياته. ومن سلامة موسى، تعرف نجيب محفوظ على أسماء برنارد شو، وماركس، وأنجلز، وغيرهم.
    وكان نجيب محفوظ قد تخرج من كلية آداب الجامعة المصرية في 1934، وعين موظفاً بها. ثم ترك الجامعة المصرية الى وزارة الأوقاف في 1939. وأصبح سكرتيراً لوزيرها مصطفى عبد الرازق. ويلوح أن شخصية هذا الوزير الفاضل كانت من أحب الشخصيات وأقواها تأثيراً في الآخرين. فإن مي زيادة كانت تميل إليه كثيراً عندما كان يزورها مع غيره من المعجبين. كما أن زوجة طه حسين الفرنسية سوزان كانت ترتاح إليه. ولكن مصطفى عبد الرازق - أو شقيقه علي صاحب كتاب الخلافة في الإسلام - لم يكونا قريبين من سلامة موسى، ولم يكتبا قط في "الجديدة".
    ويلوح إلي أن نجيب محفوظ أخذ يراجع نفسه في هذا الوقت في موضوعين. وربما كان لوظيفته الجديدة بوزارة الأوقاف تأثير في ذلك. الأول هو موضوع كتابة المقالات "الفلسفية" التي تفصح كثيراً أو بوضوح عن أسرار وخلجات نفسه، بينما القصة والرواية تخفيان ذلك خلال حديث شخصياتها. والثاني هو موضوع الكتابة لـ"الجديدة". فنجده يتحول عنها منذ أواخر الثلاثينات، ويكتب في 1943 في "الأيام" عن زكريا أحمد وأم كلثوم. وفي 1945 في "الرسالة" (النقيض المباشر للجديدة) عن كتاب سيد قطب "التصوير الفني للقرآن". ثم يتحول بكامله إلى القصة والرواية. فينشر في 1943 رواية "رادوبيس". وفي 1944 رواية "كفاح طيبة". ومنذ 1946 "الثلاثية". ثم يعود إلى شيء من هواه القديم في "أولاد حارتنا" في 1959، فتثير عليه ثورة لا يزال يتردد صداها.
    انقطعت علاقة نجيب محفوظ منذ أواخر الثلاثينات بسلامة موسى ومجلته "الجديدة". وأصبحت للأول ندوته الأسبوعية في أماكن مختلفة من القاهرة والإسكندرية. وللثاني ندوته الأسبوعية بجمعية الشبان المسيحية بالقاهرة. ولم يعودا يلتقيان إلا مصادفة.
    وقبيل وفاة سلامة موسى في آب (أغسطس) 1958، قرظ سلامة موسى ثلاثية نجيب محفوظ في يومياته بجريدة الأخبار القاهرية تقريظاً حسناً.
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
    *المصدر: الحياة 17/9/2003م.

  10. #10

المواضيع المتشابهه

  1. هل تصدق ...جائزة نوبل للحمقى !!!
    بواسطة احمد حمود الغنام في المنتدى الأَدَبُ السَّاخِرُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 09-07-2008, 04:09 PM
  2. ::::: روايات الأديب الراحل / نجيب محفوظ :::::
    بواسطة فريد عبدالعزيز في المنتدى المَكْتَبَةُ الأَدَبِيَّةُ واللغَوِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 27-11-2007, 02:53 AM
  3. نوبل نجيب محفوظ .. هل يستعيدها العرب؟
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-10-2006, 07:56 PM
  4. نجيب محفوظ الأديب العربي الراحل(ماله وما عليه )
    بواسطة زاهية في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 02-09-2006, 02:40 AM
  5. ماذا تعرف عن جائزة نوبل؟
    بواسطة اسكندرية في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-07-2004, 01:32 AM