كرامات سيدنا الولي
رهيباً كان المشهد.. فالجميع تحركوا إلى موقع التنفيذ فقد صدر القرار وفشلت جميع محاولات إجهاضه حتى أن أحد أعضاء مجلس الشعب قدم استجواباً للوزير المختص قوبل بالرفض التام بأغلبيه ساحقة لأصوات أعضاء مجلس الشعب ، كما أن أحد ساكني هذه المنطقة كان قد توفى منذ زمن ليس بالقليل عندما سمع في قبره بالقرار تخلى عن كفنه وهجر مقبرته وطار في فضاء قبة المجلس الموقر عله يقنع الأعضاء بالعدول عن هذا القرار ولكن الأعضاء اكتفوا بالنظر إلى الجسد الغريب الذي اقتحم عليهم خلوتهم داخل البرلمان وتبادلوا نظرات التعجب والإندهاش .
رئيس الحي ومعه رؤساء الأقسام ومهندسى التنظيم يصطحبون معهم جميع المعدات اللازمة من بلدوزرات وسيارات لوري كبيرة (قلابات) ومعهم السائقين الذي لا يفيقون أبداً من البانجو والحشيش حتى إن أحدهما زود مزاجه بجرعة زائدة كادت أن تؤدي بحياته لولا خبرة رئيس قوة الشرطة المرافقة للحفاظ على الأمن حيث لاحظ عليه الأعياء فطلب له الإسعاف فوراً وعلى الرغم من تواجد جميع قيادات الحي وقيادات الشرطة إلا أن أحد سائقي هذه اللوريات كان يحتفظ بقطعة كبيرة من الحشيش الخام فى جيب سترته العلو وكانت بارزة بشكل لافت للنظر ولكنه لم يعبأ بأى شى سوى تظبيط دماغه أثناء قيامه بالعمل هكذا تعود أن يفعل طيلة سنوات عمله على اللورى العملاق ، أقارب الموتى يصطفون حول المشهد في دائرة نصف مكتملة والكل منتظر رفع رفات أقاربهم ونقلها إلى أي مكان يرونه لائقاً بقريبهم المتوفي.
بدأ عمل البلدوزرات واللوريات وسط صرخات مكتومة من الجميع سواء من له أقارب متوفين أو من ليس له حتى أن أحد اللذين استشيخوا في غفلة من الزمن فبمجرد أن نبتت ذقنه بشعرها الناعم الذي يغيظ قال في دهشة منتظراً إجابة من فقيه:-
وكيف سيحاسبون هؤلاء فى يوم الدين.
لم يحد سوى نظرات التعجب والاستغراب ممن حوله؛فانسحب في هدوء عل أمره يكنشف أمام هذا الرهط المدجج من قوات الأمن المركزى والشرطة ويساق إلى حيث لا يعلم.
قارب العمل على الانتهاء فلم يبق سوى مقبرة واحدة وينتهى كل شئ حتى يبدأ العمل في المشروع الكبير - بناء وحدات سكنية للشباب - فالحكومة عملت بالمبدأ القائل الحي أبقى من الميت ولم يبق في جميع الناطق مكاناً خالياً وصالحاً لتنفيذ هذا القرار سوى هذا المكان الذي يشمل مقابر أهالى المنطقة والمناطق المجاورة .
حاول أحد قائدى البلدوزرات أن يستأنف عمله بعد أن شرب شايا غامقاًً وقضى على سيجارة مشحوة بنهم غريب لكن المقبرة استعصت عليه وعلى سلاح الجرافة الحاد. حاول مرة أخرى حتى كاد أن ينقلب البلدوزر على رأسه فلم يستطع أن يهدم هذه المقبرة تعالت صيحات الأوامر من كبار المسئولين بضرورة اجتثات هذه المقبرة من جذورها حتى ببدأ العمل في البناء والعمل لكن كل محاولات البلدوزر والبلدوزرات المرافقة باءت بالفشل تعجب الحاضرون من الموقف ولم يجدوا تفسيراً لما حدث تعالت صيحات التكبير والتهليل من المحيطين الذين كانوا يعايشون الحدث بقلوب مرتجفه وصاح أحدهم :-
بركاتك يا سيدنا الولي وريهم كراماتك...
صاح رئيس الحي فى غضب واضح ووجنتين منتفختين:-
بطلوا تخريف ... ولي أيه وكرامات أيه ؟!!
قالها وجمع مرؤسه وعاد إلى رئاسة الحي حتى يجد حلاً لهذه الورطة فلن يستطيع البناء وهذه المقبرة ما تزال قائمة في مكانها .. طارت الشائعات والأقاويل في كل مكان وتناثرت الحكايات الإسطورية عن الولي صاحب المقبرة ووصلت إلى حد أن زعم أحدهم أنه ولد في نفس المنطقة التي دفن فيها وأن نوراً هائلاً كان ينفجر من المقبرة كل ليلة قبل صلاة الفجر وحمل آخر على عاتقه مهمة أحياء الطريقة وأطلق على نفسه شيخ الطريقة وأقام مولداً كبيراً لصاحب المقام وكان الناس يجيئون من كل مكان للتبرك من المقبرة وصاحبها وتحقيق أحلامهم التي عجز الطب والحياة عن تحقيقها فمن يريد أن يتزوج فتاة صعبة المنال عليه ما كان عليه إلا أن يزور المقبرة/ المقام حتى يحقق مراده أو على الأقل يقوى عندة الأمل بالإيمان ببركات سيدنا الولى بأن حلمه حتماُ سوف يتحقق وأن المسألة مجرد مسألة وقت فقط، ومن تريد أن "تحبل" وتلد ذكراً كانت تتبرك من سيدنا الولي وغيره وغيرها حتى زاد الأمر عن حده مما تتطلب معه ضرورة التحرك فوراً لإيجاد حل لهذه الورطة والبدء في تنفيذ المشروع فأخذ السيد رئيس قسم شرطة الحي على عاتقه مهمة البحث في الموضوع ومعرفة أسبابه فارسل طلب للجهات الأعلى لمساعدته في كشف هذه اللغز المحير لهذه المقبرة العجيبة ، تم تشكيل لجنة كبيرة من علماء الدين وخبراء الأنساب لتحديد شخصية صاحب المقبرة ولكن بعد عمل دام طويلاً لم تصل اللجنة إلى شئ يمكن أن يساعد على الكشف عن هوية صاحب المقبرة وعلى الرغم من اعتماد اللجنة على مرويات الذين عاصروا صاحب المقبرة والحكايات المتناثرة هنا وهناك وتفحصهم لسجلات الأنساب إلا أنهم استقروا في النهاية على توصيه بضرورة مواصلة البحث للوصول إلى شخصية صاحب المقبرة ... برقت فكرة في ذهن رئيس قسم شرطة الحي فأسرع فى تنفيذه حيث قدم طلباً للنيابة لاستخراج الرفات والكشف عنها بواسطة الطبيب الشرعي المختص ورغم أن هذا القرار قوبل في البداية بالكثير من الاعتراضات والرفض سواء على المستوى الشعبى من الأهالى واولى الأمر بالمنطقة او على المستوى الرسمى من قبل بعض المسئولين الذين بيدهم الأمر إلا أنه لم يكن هناك طريقاً سواه للوصول إلى حل لهذا اللغز المحير فعلاً .
تم اخذ القرار سريعاً وأتجه الفريق المخصص للفحص برئاسة الطبيب الشرعي إلى المقبرة مباشرة وبدأ عمله وسط الكلمات المتطايرة من أفواه البسطاء الذي كانوا يحيطون بالمكان والتي ترمى بالكفر وعدم مراعاة حرمة الأموات ومخافة غضب الله عليهم ومخافة غضب الولى أيضا / صاحب المقام فيا ويلهم منه ومن غضبه الذين بالتأكيد سوف يطولهم وأن الانتقام سوف يأتي لهم سريعاً ... تم فتع المقبرة وعندما هم الطبيب بفحص عظام المتوفى وجد عبارة "في انتظار حبيبي أن يرقد بجواري" تتصدر جميع العظام التى وجدت داخل المقبرة والمفاجاة التي الجمت الألسن وأدلت الجميع أن العظام كانت لفتاة في العشرين من عمرها وليست لرجل .
ساد صمت رهيب في المكان ولم يعد يسمع أى صوت حتى صوت الهواء وحفيف الأشجار اختفوا ... على البعد كان يقف شاباً في الخامسة والعشرين من عمره تتساقط دموعه في هدوء مميت.
بقلم /موسى نجيب موسى
دكتوراه فى الخدمة الاجتماعية
موبايل:0103188501