المارد في يوم من أيام القرن الواحد والعشرين
بقلم: وردة الصبــاح
في الصباح خرج "يامن" من منزله، متجهاً نحو المدرسة، فتعثر بصخرة كبيرة وكاد أن يسقط، لكنه أدرك نفسه في اللحظة الأخيرة.
قام "يامن " برفع الصخرة ووضعها جانباً، فوجد فانوساً فضياً قديماً يعلوه التراب.
حمل الفانوس ، نفض التراب عنه ونظر إليه، قال في نفسه وهو يبتسم: لربما كان فانوس علاء الدين في قصص ألف ليلة وليلة.
وفجأة، ظهر مارد الفانوس وهو يتثاءب، كأن "يامن " أيقظه من سباته العميق.
نظر المارد نحو "يامن " وقال له: "شبيك لبيك خادمك بين يديك، أطلب ياسيدي ما تريد".
رد "يامن " بعجب وقال: "وهل يمكن لمارد كسول مثلك أن يقوم بأي شيء، بعد أن نمت تلك السنين الطويلة".
تأمل المارد المكان حوله وقال: "عجيب في أي قرن نحن؟ هل مضى على عصر علاء الدين زمن طويل؟"
رد يامن:" نحن الآن في القرن الواحد والعشرين ".
المارد باستغراب:" ياه لقد مرت السنوات سريعاً".
ضحك "يامن " وقال:" صحيح، الآن تنحَ جانباً عن طريقي، لقد تأخرت عن المدرسة".
المارد:"هاا!! وما المدرسة؟"
يامن: "مكان نتلقى فيه العلم والمعرفة، يقوم المدرسون بتزويدنا بالمعلومات المفيدة, ونتعرف على أصدقاء جدد".
المارد: "و هل انتهى عهد الكتّاب؟"
يامن: "وما هو الكتّاب؟"
المارد: "المكان الذي يجتمع فيه الأطفال، ويقوم الشيخ بتلقينهم القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، ويحمل عصى غليظة، من لم يتم حفظ واجباته نال جزاءه من العقاب".
ضحك يامن وقال : "نعم لقد انتهى عهد العصيّ يا صاحبي".
المارد: "حسناً، سأحضر لك حصاناً سريعاً يأخذك للمدرسة، هكذا ستسبق أصدقاءك".
يامن: "هل تريد أن تجعل مني سخرية؟! أي حصان يارجل، نحن نستقل الحافلة المدرسية".
شهق المارد عندما وصلت الحافلة: "عجيب لها أربع دوائر تمشي عليها!"
رد يامن: "إنها عجلات، وهي تصنع من مادة مطاطية، وتعمل الحافلة بمحرك دفع تقاس سرعته بسرعه الحصان".
المارد:" آه نعم نعم فهمت الآن".
ركب يامن الحافلة وتبعه المارد، عندها همس المارد في أذن يامن وقال: "دعني أدخل معك الفصل فلن يراني أحد غيرك"، تنهد يامن وقال: "حسناً، لك ما تريد".
وفي الفصل شاهد المارد الأطفال يجلسون وأمامهم شاشات صغيرة ولوحة يقومون بالطباعة عليها.
قال المارد: "ما هذا أين الورق، أين الريشة والأقلام؟"
يامن: "لم نعد بحاجة لها الآن، نحن نكتب ونحفظ المعلومات في هذا الجهاز الذي يدعى الحاسب الآلي ( الكمبيوتر)، ألا ترى أننا في عصر الالكترونيات!"
تمتم المارد: "نعم، إنكم كذلك".
وبعد المدرسة عادوا للمنزل، وهناك قال المارد:" ماهذا المكان؟ لم أر مثله عند شهبندر التجار!"
أجاب يامن: "إنه منزلي، حيث أعيش مع والديّ وإخوتي".
قال المارد: "أين الكراسي الخشبية والحصير و..؟"
قاطعه يامن: "تبدلت وصارت أرائك جلدية وسجاجيد".
اصفـّر المارد وقال: "أرجوك أعطني جرّةَ ماءٍ كي أشرب، إنني أشعر بالدوار".
يامن: "تلك الثلاجة، افتحها وستجد بها ماء بارداً".
المارد: "وما هي الثلاجة؟"
يامن : "مكان نحفظ فيه الماء ليصير بارداً والطعام ليبقى صالحاً".
المارد: لا، لا دعني أخرج من هنا فأنا بدأت أشعر برأسي يكاد أن ينفجر.
ضحك يامن وقال: هون عليك يارجل، نحن في عصر متطور.
رنّ الهاتف، ففزع المارد من صوت الجرس وقال: يامن إلحقني، شيء غريب يصرخ.
يامن : إنه الهاتف، جهاز نتحدث من خلاله مع أشخاص نريدهم بعد أن نطلب الرقم الخاص بهم.
المارد بأسف: رحم الله الحمام الزاجل.
وفجأة صرخ المارد ماهذا أناس يتحركون في صندوق أسود صغير؟! أي سحر هذا؟
قال يامن مبتسماً: أنه التلفاز، جهاز يبث لنا صوراً وأخبار العالم من خلال الأقمار الصناعية التي تنتشر في الفضاء.
المارد: دعنا نخرج بسرعه، قبل أن أفقد صوابي.
وفي الطريق، كان المارد يحدث يامن عن بطولات علاء الدين ورحلاته عبر البلدان وكيف استطاع التخلص من الأشرار بسيفه الصغير.
قال يامن: أي ولله، كم أود لو اكتفينا بالسيف سلاحاً في عصرنا هذا، لقد تطورت الأسلحة وصارت أكثر خطراً وعنفاً من ذي قبل.
رد المارد: ماذا صار لديكم؟
يامن: صار لدينا مدافع ورشاشات، دبابات وصواريخ، أخطرها الآن القنابل النووية، التي باتت تهدد العالم والقارات كافه.
تنهد المارد بألم: أنها ضريبة التطور يا يامن.
وفجأة صرخ المارد: انظر وحش طائر لنهرب.
يامن: لا تخف، إنها طائرة جوية، تنقل الناس من بلد لآخر.
وهنا صاح المارد : لقد ذكرتني ببساطي السحري أين وضعته ياترى؟!
ضحك يامن وقال: لابد وأنه في المتحف الآن.
المارد: متحف! يامن: ألم تسمع بالمتحف؟! أنه مكان توضع فيه الأشياء القديمة التاريخية والأثرية، التي ورثت عن الأجداد وغيرهم ممن لهم قيمة وطنية وأخرى تاريخية.
غضب المارد وقال: أتقصد أني أصبحت من التاريخ القديم، رد يامن ضاحكاً: أنت تاريخ متجدد ياصديقي.
المارد: حان موعد عودتي إلى فانوسي السحري، لم يعد هذا الزمن بحاجة لي الآن، قد مضى عصري وجاء عصركم عصر التطور والتقدم.
يامن: ألن تزورنا في السنوات المقبلة؟
المارد: أخاف أن أعود لأجد الانسان الآلي بدلاً من الإنسان الحقيقي.
رد يامن: يالك من محتال كيف عرفت بالإنسان الآلي؟
المارد: ها، وماذا كنت تظنني، ثم يخرج كتاباً عن الإنسان الآلي (الريبوتات) ويرد قائلاً: أنا مارد مثقف يا صغيري.
فيضحك يامن ويضحك المارد، ثم يودعه عائداً لفانوسه السحري.
******