النقد الذاتي وخارطة الاخلاق ....
في كل امور حياتنا اليومية غالبا ما نتعرض الى مواجهة مع الاخرين في الاختلاف او الحوارات , وقد ينبري كل منا الى نقد الاخر وتحديد مواقع الخطأ الكامنة في شخصيته , وقد نقوم بدور المحللين النفسيين فنباشر بتفسير تصرفاته على اساس التحليل الاكلينيكي للشخص للوصل الى تبرير سلوكياته ..
لكن هل فكر احد منا في الوقوف على ذاته مراقبا محللا وواجدا سبب لتصرف ما , وقام بعملية الجرد للمخازن الدخلية القابعة في ذاته من سنين , هذا الجرد يسمى في علم الاجتماع وعلم النفس بـ " النقد الذاتي ".
فكما نقف كل يوم قبل الخروج الى المجتمع الخارجي امام المرآة لنجمل انفسنا او لنتأمل حسن خلق الله وجمال صنعه , لو تمهلنا لدقائق معدودة وتأملنا في معالم شخصيتنا , لنعرف هل هي مصاغة وفق مكارم الاخلاق ومحاسنها أم وفق مذام الاخلاق ومساوئها .. هذه الخطوة تبين لنا اين نحن على خارطة الاخلاق , وتعرفنا على ما نحن عليه من مستوى ومنزلة .
اغلبنا يتحاشى هذا , لخوفنا من مواجهة الحقيقة ..
والاعم من الناس لا يتحاشى هذا فقط بل يرفض حتى مواجهته بعد ان يصطدم بكثير من الشوائب الذاتية فيقوم بالتغاضي عنها مبررا ذلك بانه امر واقع , فينخرط في نفق مظلم وينسى ذاته ولا يرجع اليها ..
فمن حق انفسنا علينا ليس فقط تجميل معالمنا الخارجية وارتداء ما يناسبنا ضمن مجتمعاتنا وبموجب امر الله سبحانه , ان نتنبه قليلا الى معالمنا الداخلية الخفية عن الاخرين ,وذلك بالقيام بالنقد الذاتي لها , وليسأل كل منا نفسه :
- ما مواهبي ومهاراتي؟
- هل أنا مزود بما يمكنني من منافسة أقراني؟
- هل أنا مستعد لتمضية الوقت والجهد والفكر اللازم للنجاح؟
- هل يمكن أن تكون بعض معلوماتي قد أصبحت عتيقة عفى عليها الزمن ؟
وافضل طريقة لنقد ذاتك هو ان تخرج منها لتقف قبالتها وترى عيوبها وتحدد مواطئ الخلل والضعف فيها وبأقصى ما تستطيع من امانة وموضوعية , لتكون رقيب ذاتي لها ولا تهتم بشأن الاخرين ومراقبتهم ونسيان ذاتك التي من الاولى عليك الاهتمام بها اكثر من اهتمامك بغيرك .
قد يعترض شخص ما بقوله : ان هذا الاجراء لا مبرر له , لاننا كلنا نعرف أنفسنا جيدا !!!
والجواب بالتأكيد : لا
فكلنا معرضون لخداع النفس , ميالون لتبرير ضعفنا والدفاع عن فشلنا ..!!
وكلنا نجد لنفسنا الاعذار في امور عديدة , كالتسويف , والملل , والتنصل عن المسؤولية ,والكذب , والغش , حتى السراق يجدون التبرير لانفسهم في لحظة مواجهة مع ذاتهم بانهم مجبرون على فعل هذا بدفع من المجتمع مثلا اواي سبب يجده لنفسه .
وفي جانب اخر تجد مجموعة اخرى من البشر تؤمن بانها الاسوء بين الناس وانها ترضى ان تكون في اخر الركب او انها أسوء مما تبدو للاخرين .
لذا نحتاج الى الكثير من الثقة بالنفس لنواجه انفسنا ولا نرضى بالوسطية من المواقع لنرتقي بانفسنا الى الامام..
وان نقوم بذلك النقد الذاتي بمزيد من الصدق والامانة وبنظرة صارمة خالية من التحيز , فخداع النفس خيانة لها .
وبذا نكون قد ساعدنا انفسنا في تغيير موقعها من خارطة الاخلاق الى الموقع الاعلى مرتبة
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم " من سعادة المرء حسن الخلق , ومن شقاوته سوء الخلق " ...
ميـــــــــــنا