لماذا التمادي في إذلال المشاهد , كلما حل رمضان مباركا ؟
عزيز باكوش
ثمة سؤال لا اكف عن طرحه على صعيد ذاتي
الى متى تظل "النكتة" ومن خلالها الكوميديا شرطا ضروريا ومفضلا لإنتاج الاتصال والتواصل بين التلفزيون والشعب خلال الشهر الفضيل ؟
وأضفت مخاطبا جليسي , الذي بدا منشغلا بحمولة عاطفية أثرت بشكل واضح على محياه .
كيف تفسر حالة الاستنفار القصوى للشاشتين قبل أسابيع من حلول الشهر الكريم ؟
"في ضوء التحديات العالمية وثورة الاتصالات التي تواجه مجتمعنا العربي, الآن وأكثر من أي وقت مضى ,مسؤوليات كبيرة, وتحديات صعبة بالتأكيد ألقيت على عاتق الإعلام ,نستشعرها, في عالم تكالبت حوله الصراعات والأزمات نشكل على الدوام بؤرا نشيطة لتفاعلاتها , أدت الى مجموعة من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , وأمام المنافسة الشرسة بين الدراما السورية والمصرية حول استقطاب اكبر مشاهدة عربية ,حيث تم تسويق حوالي 90عملا متنوعا ما بين السياسي والتاريخي والاجتماعي والفني.
ارتسم غضب هائل على وجه جليسي وقال باستفزاز:
ألا يوجد مجال تستوطن فيه ذاكرة إبداع الفنان المغربي , كي تمارس تأثيرها من اجل المتعة والتنوير والإفادة غير فضاء النكتة ؟ ؟؟؟؟
قلت مهدئا :
"قد نصف الوادي بالعنف حين يجرف كل شيء ,لكن يبدو أن لا احد منا يهتم بالجوانب الضيقة التي تخنقه"
- ماذا تقصد بالعنف والجوانب الضيقة التي تخنق؟؟
يعيش الفنان ظروفا صعبة ,حتى انه يظل عاطلا طوال السنة ...وفي لحظة تتراكم المشاهد , وتتزاحم المواقف, من غير أن تكون له إرادة التقييم والاختيار...فضمان القوت أولا من خلال الحضور أما الجودة فللحديث أسباب نزول....
في هذا الإطار, يمثل نوع الفكاهة المغربية انطلاقا من تجارب سابقة , نموذجا سيئا في تكريس الدجل والشعبوية , و إنتاج خطاب العدم . نتاجات تمتلئ بخليط انفعالي مربك يفلح في تصوير العبث , وتعزيز وتفريخ آلة ضخمة للتكرار, وإنتاج إعادة الإنتاج , بشكل يوحي باستقالة العقل , وهيمنة التهافت على الأغلفة المالية المرتبطة برمضان , الأمر الذي يكرس ثقافة الفقر الفني والإبداعي بيقين شبه تام. وما "السلاسل الكوميدية والسيتكومات الرمضانية البئيسة , إلا تكريس مجاني لتفقير الفن وتهجير السخرية الجادة والإبداع الجاد ببلادنا.
نعم بإمكان النكتة أن تكون في مستوى ما يتطلبه موقف ما...لكن التحديات المطروحة..رهان صعب.. والمغاربة مختلفون في هذا الاتجاه
وإذا كان للمرء أن يختار طريق حياته من جديد فانه سيفضل أن يكون كسالا أو بائعا بوبوش حتى يتمكن على الأقل من الاستمتاع بقدر من الغباء المجاني وراحة الضمير من وجع السؤال. حول طبيعة هذا المنتوج ومستوى رداءته , أو شرطيات مروره.
مسح جليسي لحيته بباطن كفه في شرود وقال كأنما يخاطب نفسه:
- العرب تقمقم (قال), وتكمكم (كال) ,وتجمجم (جال),
- هذا صحيح..قال
- حتى إذا قرأ العربي اسم دولة افريقية مثل (الكابون ) "ثلاث نقط الكاف "التبس عليه الأمر, فقال الخليجي مثلا " الجابون"، بالقطع هو لا يقصد طبعا دولة أسيوية عملاقة في مجال التكنولوجيا الحديثة (اليابان)،ومن العرب من سينطق القابون على غرار " انجلترا" و يكتبها هكذا " انقلترا" بالقاف أي والله.
- أين المشكل إذن؟
- أليس الأمر مجرد تعددية على الطريقة العربية...وكفى بالله شهيدا
- نعم يبدو الأمر كذلك ,إنها تعددية الواجهات, الفيترينة, تعددية لا تحمل من جوهرها الديموقراطي غير الاسم.
وتابعت في انسيابية:
- انظر الى برمجية رمضان على القناتين من خلال الإعلان ولك أن تتصور
شكليا على الأقل ,تبدو التعددية في تناول الموضوعات , واختلاف المقاربات , وتعدد الوجوه والمواهب, وعودة النجوم الى غير ذلك. نتيجة ملفتة وواقعية..
والحقيقة كما سترى, مجرد لازمة يلوكها الإعلان كل رمضان. .حفظها المسئولون والمبدعون عن ظهر قلب , وشربها ودب دبيبها في عروق المنتجين والمتهافتين والمشاهدين على حد سواء.
- تصور, ما سيقدمه الفن المغربي خلال رمضان : مجرد شهر عالمي للنكت الشعبية , النكتة المصورة والمرئية والمسموعة, لقد أضحى الشهر الكريم أضخم تجمع نكتوي في البلد . فما الذي يبدعه أصحاب السخرية المبطنة سوى النكت ولا شيء غيرها. حلقات اجتماعية تعالج بعض الظواهر ممثلة في نماذج بشرية باختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية وتنوع آمالهم وطموحهم..سلاسل هزلية" بالمعنى الجدي للكلمة" في مجملها تجسيد لمجموعة من المواقف من الواقع المغربي بطريقة فكاهية..
- أما على مستوى الدراما أي المسلسلات فثمة حكاية يشيب لها الولدان.
دراما اجتماعية مستوحاة من الواقع المغربي تدور أحداثها في البادية شخصياتها مختلفة الطباع تروي حكاية بطش وحب وسعادة يتفانى البطل في خدمة سيده في البداية ثم يخلفه في العشق والميراث مع قليل مصادمات مفتعلة وحزازات مصنوعة ترفع ضغط المشاهد عنوة هناك صراع مع فكرتين سيتم بالتأكيد الانتصار لأقواهما في نظر الكاتب وليس الوقائع والأحداث وهي المبادئ النبيلة طبعا ..هكذا تبدأ سلسلة المشاكل والأحداث الدرامية "ضمن دراما رمضان" لتتسع فتشمل أناس على علاقة بالبطل فتنقلب حياتهم وتتمادى مع الحقائق ,حتى أن النهاية تجسد العد الة في أسمى صورها. وانتهى إبداع رمضان. والى رمضان قادم . فأين السياسة والتاريخ أين الجمال وأين الفن والإبداع الحقيقي؟ عزيز باكوش