سحب نفساً عميقاً وأطرق يفكر ، لم يكن يشعر بما حوله ،وكأنه قد استتر في غيابة الجب .
مرت في ذهنه أطياف الماضي القريب ، وجالت في خاطره أحداث الماضي الرهيب .
كان رجلاً فارع الطول ، قد لبس بنطالاً متماوج الألوان ، واشتمل على قميص مماثل له ، وعلى رأسه ترربعت قبعة قد مال شقها الأيسر ، ذلك هو الشخص الذي قاد صاحبنا إلى زنزانة النسيان في ليل الرهاب الفضيع .
لم يكن صاحبنا - ولنسمه ( دال ) - يعلم بأي صنيعة أُخذ ، ولا بأي جرمٍ اقتيد ، كل ما يعرفه أنه رجل اقتطع على نفسه عهداً أن يسند ما تصدع من البنيان ، وأن يرمم - ما استطاع - ما تهدم من جدران ، ثم راح بعد ذلك ينفذ بنود عهده لا يلتفت لأصوات الاستهجان ، ولا يهمه نعيق الغربان .
يبدأ يومه بتجرع ما تيسر من الزاد ، ثم يخوض معمعة الطريق ، ويشق أمواج الضجيج ، ذاهباً إلى عمله بجد ومثابرة ، لا يحمل همّ المساء ، فللمساء دواء من رب السماء .
تلك هي يوميات ( دال ) التي أشغل بها ليل أهل ( الظاء ) فراحواينحتون زنزانته ، ويُبعدون عن الناس سنحته ، حتى يطويه الزمان ويبتلعه النسيان ، تحطمه الوحدة وتنهشه الظلمة .
أمثال ( دال ) في بلادنا كثير ، يعانون صحراء الجفاء ، يسيرون على أوراق الخريف في أيام الربيع اللطيف .
تمت
وائل العريني
28 / 8 / 1427هـ