أخي الأديب الكبير أحمد فضل شبلول
سفراً سعيداً وعوداً ميموناً بإذن الله تعالى
كيف ياأخي لا أعيش الحاضر وأنا جزء منه ؟!
لكن زادي في الحاضر كفاه منهج الأولين وكنوزهم والتي لم يأت الآخرون بما يطاوله إبداعاً وسمواً، ليس الانحياز انحيازا للقديم ولكنه انحياز للسمو والجمال اينما كان عصره. وليس الأدب بمعزل عن السياسة ، إنما هي موجهة له ، إذا تسامت تسامي وإذا انحدرت انحدر، وقد انحدر الأدب انحداراً شديداً في النصف قرن الماضي.
مازالت لآلئ وأحجار الأولين تبرق بالقيم العليا وبالمبادئ وضياء الفكر الإنساني ولم يطاول بريقها ما تلاها من أدب الفضة والنحاس والصفيح والبلاستيك. أراك تلومني أنني لم أتخذ من الصفيح حلياً بدلا من الذهب ، أيكون لي ذلك ؟!. ومن قال أن رواد الأدب العربي والإسلامي لم يتعرضوا لما نواجهه اليوم مش مشكلات وتحديات في حركة الحياة الحديثة ؟ إن لزمت ما كتبوا ستجد المبادئ التي نواجه بها مشاكل العصور في الماضي والحل والمستقبل.إنما التفاصيل تتبع المبادئ وأولئك أرسو المبادئ التي تكفينا وأي كفاية ، تماما كما القرآن الذي يضيء لنا منهجنا في الحياة وقد نزل من أكثر من أربعة عشرة قرناً ، فهل نقول أن منهجه قديم ؟ ولا نرجع إليه وإلا نكون نعيش في الماضي ؟!
لم ينجح محفوظ المدعوم من السلطة طوال تاريخه إلا في الضغط على المجتمع المصري لتتحول أخلاقياته من أخلاقيات القرية التي تسوده إلى أخلاقيات الحارة بإبراز الحارة على أنها المجتمع المصري وأبطالها أبطاله، والفرق بيِّن بيْن الأخلاقيات بينهما. الحارة سيدي الكريم كانت تعيش فيها الطبقة الفقيرة في المجتمع وأولئك الذين يرحلون إلى القاهرة من فقراء الريف ، وكان للحارة ومازال قانونها الذي شكلته نوعية المقيمين فيها بثقافتهم المتدنية وفقرهم فكانت المادة والوصول إليها هي الهدف بأي وسيلة كانت ، فهي بؤرة الانتهازيين واللصوص والقتلة وتجار المخدرات والداعرات وقاع المجتمع أو المنبوذ في المجتمع بأخلاقياته التي لا تلتزم إلا بمبدأ اللهم إلا الشهوة والمادة ، لذلك كانت فيها البلطجة والفتوات والعصبيات والعصابات. جاء محفوظ ليبرز الحارة وينسب البطولة لبعض من فيها ليكونوا رمزاً وقدوة للمجتمع وأصر على ذلك تباعاً في قصصه التي ما فتأت تعرج على الحارة ورموزها في نفس الوقت الذي ينفث الإعلام سمومه في أخلاقيات القرية وعمدتها والعصابات فيها والفقر الشديد والجهل والغباء والفلاح الذي يشتري ميدان العتبة والترماي حتى صار الصعيدي وواحد بلدياتنا موضع النكتة والسخرية والجهل والغباء. اقتفى الشباب بدعوة محفوظ للاقتداء بأخلاقيات الحارة مدعوماً إعلامياً حتى صارت مصر حارة كبيرة ترى فيها البلطجي والانتهازي والمفسد في كل شارع فيها وفي كل جانب وفي كل الرموز. أنظر إلى السينما والمسرح والتليفزيون ، أنظر إلى أخلاقيات تعامل الناس ببعضهم البعض ، أنظر إلى الساسة ، أنظر أينما وقع بصرك تتمثل لك فوراً أخلاق الحارة شاخصة. أشبه ما فعله محفوظ والإعلام بالمجتمع المصري وما تأثر به من مجتمعات أخرى ، أشبه ذلك بمن ذهب إلى باب الحارة المغلق الذي كان يعزلها عن الناس ، ذهب له وفتحه على مصراعيه ليطلق من بداخله من حرافيش وخفافيش على الشوارع والميادين كخلية نحل تكسرت وخرج ما فيها وانتشر منطلقاً. القيمة الآن في المجتمع ياسيدي أصبحت للمادة فقط وقدرك يكون على قدر ما تملك من مادة ، تلك أخلاق الحارة التي انتشرت وفيها تاجر المخدرات هو المهاب وصاحب القيمة وما كان المجتمع المصري قبل محفوظ كذلك.
لو التزم المجتمع وإعلامه بأدب الرواد الذين كانوا يرسخون أدب الإسلام وأخلاق القرية ما كان حالنا الآن كما هو عليه ، وإن أردنا إصلاحاً فلنبتعد عن ظلام موجة التنوير التي ما نشأت إلا لكي يقبع الظلام على العقول وتبتعد عن صحيح الدين وتعضد العلمانية التي جعلتنا في أسفل قائمة الشعوب.
وتطلب مني ياأخي أن أقرأ نصوص محفوظ بعيداً عن المفهوم الديني وذلك هو ما لا أستطيعه، لا أستطيع ياأخي أن أحيد اليقين الذين أحيا به ويرسم لي شتى حركتي للحياة وفهمي للأشياء ، وكل ما يخرج عن مفهومي الديني هو غريب عليّ لارتكازه على قواعد واهية بدلاً من قواعد الدين الراسخة.
أما موضوع يوسف إدريس فهو قاص جيد للقصة القصيرة وله تجربة للتجديد في المسرح الحديث ولكنه لم يرق لمصاف الكبار من عمالقة الفكر العربي الذين سبقوه والذين عاصروه ولكن اتجاهه الفكري الذي نعرفه سوياً ولا أخوض فيه هو الذي رشحه لنوبل وما كان هو أو محفوظ يستحقون أساساً هذه الجائزة المشبوهة وحتى إن كانت منصفة. كان فعلاً من حق إدريس أن يعترض طالما ذهبت الجائزة للأقزام والمفسدين والذين يطعنون في الدين فهو إذن اولى من محفوظ !!
لا أتوقف ياأخي في الشعر عند المتنبي أو غيره فالشعر هو الفن الذي أجاد فيه المعاصرون كما أجاد فيه السابقون ، في العصر الحديث بزغ البارودي وشوقي وحافظ وناجي وغيرهم والآن أنظر حولك في الواحة ستجد هنا شعراء أفذاذ لا يقل مستواهم عن مستوى الأقدمين ولا أقصد طبعاً إلا الشعر العربي الرصين الذي نعرفه وليس شعر الحداثه والتهريج فمن يكتبون هذه الحداثه ما هم إلا محفوظ الشعر.
أنتظر عودتك أخي سالماً بإذن الله لنواصل حديث الفكر للفكر وما أعذبه.
تقديري