أبنُ مَنْ أنتَ ؟؟
هل نحن الذين نترك الزمان أم الزمان هو الذي يمرّ علينا ويتركنا ؟!
هذا هو التساؤل الذي يتردد على ذهني دوما ً !! ومنه انطلقت في هذا الموضوع
وما الزمان إلا مجموعة الأيام والليالي التي تتعاقب علينا والتي تحتوينا كما يحتوي الظرف الرسالة !! وما علينا إلا أن نترك المرحلة السابقة إلى المرحلة اللاحقة ..
إن ما نحسه وما أثبته العلم هو إن الأنسان لم يتمكن حتى الآن من السيطرة على الزمان ... فلا يمكنه أن يحول دون طول الليل أو دون انقضاء الشباب وتحوله إلى الشيخوخة ..
أذاً فما عسانا نصنع ؟؟
هل نتشبث بالزمان الذي مضى أم نهرول مسرعين إلى زمان قادم .. هناك أنواع من الناس يمكن وصفهم بحسب تفاعلهم وتعاملهم مع هذا الواقع .. وهم :
1- الذين يعيشون في الوقت الحاضر .... إلا إنهم لا يدركون مستلزمات وشروط الحياة المعاصرة .. ولم يعدّوا العدة التي تؤهلهم للإنسجام مع واقع هذه الحياة .. فيتم تصنيفهم ضمن خانة الجيل القديم !! فهم قد تخلفوا عن قافلة المتقدمين !!
2- الذين يعيشون في العصر الحاضر .. ويدركون مستلزمات وشروط الحياة الثقافية والاقتصادية ويبذلون الجهد من اجل الاستفادة من الامكانيات المتاحة لهم .. فهؤلاء هم الناحجون الذين يدركون قيمة وقتهم وزمانهم .. " فالعالِم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس " أي لا تختلط عليه الأمور .
3- الذين يعيشون في هذا العصر .. ولكن يعدون من المتقدمين على زمانهم .. لعدم إستيعاب الوقت الحاضر لأفكارهم وآرائهم .. وهذه الفئة تحتوي القلائل من العباقرة .. ويسمون النوابغ عبر التاريخ البشري .
4- الذين يعيشون في هذا العصر ويدركون حقيقته .. والذين يحاولون ربط الماضي بالحاضر من خلال الأستفادة من تجارب الاخرين وضرورة إقتحام سدود الزمان وإحياء العباقرة والعظماء من جديد .
والفئة الرابعة هي بالتأكيد أفضل الفئات وهي الفئة الممتازة والاكثر أعتدالا إذ ان الأشخاص فيها يعدّون ابناء زمانهم .. فهم يدركونه بشكل صحيح ويخططون لمستقبلهم ومستقبل الجيل الذين معهم .
فمن أفضل ما يمكن أن يصل إليه أيُّ منا هو ان يكون " أبن زمانه " وهذا لا يعني إنه تأييد العوارض الواهية والناشئة عن التقليد الاعمى ونعدام الثقة بالنفس وإنما هو ناظر إلى الأستيعاب الصحيح لمقتضيات العصر الذي هو فيه والأستفادة من امكانيات العصر الايجابية .. ويربي نفسه الخصال والسجايا الإنسانية التي تناسب العصر الذي يعيش به
والحكمة تقول " لا تقسروا أولادكم على آدابكم , فإنهم مخلوقون لزمان ٍ غير زمانكم "
وفي الحكمة تلك إلتباس .. قد يسيء فهم المعنى المراد منها ...
1- فهل هي تعني ... أدبوا أبنائكم وفقا ً لمقتضيات المستقبل .. وإن كانت القيم السائدة في المستقبل هي الكذب وعدم الوفاء والتقليد الأعمى والنفاق ونقض العهود والمعصية والإبتعاد عن أوامر الله والأقتراب من نواهيه ؟!! حتى وإن عدت هذه الامورمن مقومات الذكاء والرقي ؟؟!! ليمكنهم أن ينسجموا مع ذلك الزمان ؟!!
وأظن إن الامر مستحيل لإن هذا لاينسجم مع المباني العقائدية والاخلاقية ...
2 إن الآداب بشكل عام تطلق على مجموعة التقاليد التي تحتوي على جوانب تشريفية , وينبغي تعلمها والسعي من أجلها ... فمثلا إن كنت تتمنى أن يكون ولدك طبيبا ً .. هل ترشده إلى الطب المعاصر أم إلى الطب القديم ؟!وهل لو كنت تريد أن تعلمه السياقة مثلا فهل تعلمه ركوب الخيل ؟!.. وهذا يجري على الأخلاق والآداب دون الأبتعاد عن القيم والأسس الأخلاقية .
3- فالحكمة تدعو إلى ضرورة الأنتباه إلى المستقبل والأعداد له والأستفادة القصوى من إمكانيات الحاضر لأجل المستقبل ..ليحضى الجيل القادم بحياة أفضل ..ولا يقيدوا أنفسهم بزمانهم فيتخلفوا عن ركب التقدم البشري من ناحية العلوم والصناعات والتقنيات الحديثة .
على كل حال فان معرفة الزمان والرضا بالتقاليد التي فيه لكل مجتمع لا يعني بالضرورة التنكر للأصول والهوية الانسانية والسقوط في هوة الضياع والأغلال بل يعني الوعي بمقتضيات الزمان وعدم الغفلة عن اكتساب القابليات العلمية والفنية في اطار التحلي بالمسؤولية والرفعة لانفسنا ولمجتمعنا .
وما هو معلوم إن مراعاة التقاليد لا تتنافى مع الأسس والموازين الإسلامية بل هي نوع من حُسن الخُلق والتواضع , وعلى كل حال فإن معرفة الزمان والرضا بالتقاليد العقلانية للمجتمع لا يعني بالضرورة التنكر للاصول والهوية اللأنسانية والسقوط في هّة الضياع والأغلال , بل يعني الوعي بمقتضيات الزمان وعدم الغفلة عن أكتساب القابليات العلمية والمهارات الفنية والتقنية في أطار التحلي بالمسؤولية والرفعة لأنفسنا ومجتمعنا , حيث إن شخصية كل فرد رهن بكفاءته وقابلياته الانسانية .
.
ميــــــــــنا