إهداء :
لبلادي التي شرِبتُ هواها
وحليبَ الأطفالِ ، بالقِنِّينةْ .
ولأهلي وكل من عرفوني
ولمن عندها فؤادي رهينةْ .
ولمن قال لي : " تريَّثْ قليلاً
لا تهاجرْ " ..
لمَّا هجرتُ المدينةْ .
****
هكذا الحبُّ .. حين لا تفهمينهْ .
ينتهي ، يا حبيبتي ، لضغينةْ .
هكذا أحمل الحقيبةَ ملأى
بدموعي ، وذكرياتي الحزينةْ.
هارباً منكِ نحو أي مكانٍ
فيه أفشي ،
أسرار قلبي الدفينةْ .
وأغني اللحن الذي ما استطعنا
حين كنا سويةً تلحينهْ .
ربما تفهم الطبيعةُ حبي
وتداوي جراح قلبي الثخينةْ .
ربما الطيرُ من سماع أنيني
حس بالحزن ، أو سمعتُ أنينهْ .
ربما تمسح الورودُ دموعي
وبحبي ، تفكِّر الياسمينةْ .
ربما تحمل الرياحُ نشيدي
ثم تلقيهِ فوق ظهر سفينةْ .
تعبر البحرَ نحو أي بلادٍ
غير " هذي " ،
حيث الحياةُ ثمينةْ .
حينها .. حينها سأشعر أني
صرتُ حراً ،
وبين أيدٍ أمينةْ .!
****
هكذا هاجر المهاجر لمَّا
لفظ الرحمُ ، ذات يومٍ ، جَنينه .
ركب البحرَ والمحيطاتِ كرهاً
ودعا الله ، ربه ، أن يعينه .
ومضى ،
يذرع البلادَ ويُلقِي
نظراتٍ ، شمالَه ويمينَه .
ما الذي جاء بي ؟
، يقولُ ، لأرضٍ
وبلادٍ ، قد تُفقِدُ المرءَ دينَه ؟
غيرهُ " المُرُّ والأمَرُّ "، كما في
بعض أمثال جدتي المسكينةْ .
أينها الآن ؟ آهِ كم تنقصني ..
معها " الدردشاتُ " تحت التينةْ .
من يُريني أهلي ويأخذ عمري ؟
آه كم صارت الحياة لعينة .!؟
****
هكذا أصبح المهاجر قلباً
وعذابُ الأيامِ كالسكِّينةْ .
قطَّعتهُ ، من المرور عليهِ
وأثارت أشواقه وحنينه .
ومضى العمرُ من يُعيد إليه ؟
ما مضى منهُ ،
من يعيد سنينه ؟
كلما قيلَ : " ما بلادكَ ؟ " ولَّى
مُطرقاً رأسهُ ،
وحكُّ جبينه ..!
****
يا بلادي .. أنا الذي كم تمنَّى
عندما فرَّ منكِ لو تُمْسكينهْ .
عرك الموتَ والحياةَ وياما
غمَّس الخبزَ بالدموع السخينةْ .
ذكِّريني ..!
كيف الحياةُ ؟ أظلتْ
مثل عهدي بها لديك ، مُهينةْ ؟
هل تُرى صرتِ حرةً أم تراكِ
لا تزالينَ عبدةً وسجينةْ .؟
هل لديكِ الأسيادُ مثل زمانٍ ،
أنتِ من طينةٍ ، وهم من طينةْ ؟!
كلما جاء سيدٌ دقَّ بين الشعب والأرضِ ،
، غائراً ، إسفينه .
فإذا الناس هائمونَ حيارى
وإذا الحال مثلما تعرفينه .
وإذا حامل الشهاداتِ يأتي
ها هنا ،
كي يبعينا " الفرفحينةْ " . !
****
آه يا زينة الحياةِ ، ومالي
وبنوني ، ليسوا بدونك زينةْ .
لم أذقْ منذ أن هجرتك طعماً
لهدوءٍ ، أو راحةٍ ، أو سكينةْ .
مذنباً كنتُ ؟
أم أنا من ضحايا
مذنبٍ ، ظنَّ أننا لن ندينه ؟
وله الشعبُ ، بعد ما ضاق ذرعاً
بالذي حولهُ ،
أعدَّ كمينه .!