من عمق الجرح الازلي ،ومن دوامة الألم القاسية، من نفس عظم مصابها، وروح ضاق بها الجسد،وقلب تعوم فيه المآسي والاحزان، وعيون ابتلع الديجورصفاءهاوبريق نظراتها،من جسد أسقته الحياةالحسرة والآه سما زعافا وجعلته في ساحات القدر رفاتا، فبات يرى العيش في الدنيا جزافا ،تنطلق صرخة مدوية تنفطر القلوب حزنا عند سماعها تخرج لتتسلق جدران القلوب وأسوارها،صرخة من أعماق الأعماق تسأل: ما هذه الحياةالتي نعيشها؟!حياة تستلذعذابنا وتستعذب آهاتنا وتطرب لأناتنا ،حياة تترنم على صدى أوجاعنا وتتراقص طرباعلى أوتار أحزانناوتمزق جل احلامنا، تغرقنا في بحور الوهم وتتركنا قابعين في غياهب النسيان، ومئات الذكريات تتخبط في متاهات عقولنا، وتتحنط ذكرياتنا ولحظات الصمت الأبدي تحاصرنا حصارا طرواديا اجل، تحاصرنا ملتفة حولنافنضج بصمتنا باحثين عن ترنيمة إلاهية تؤنس وحدتنا، وسلوان يضئ ظلام اليأس المدفون في أحداقنا..........
إلهي ليس لي إلاك ساعدني فقد أضعت نفسي، لا لن أعود، لن أعودوقد تجرعت كأس الهزيمة جارة ورائي أذيال فشلي، لن أعودلألعق جراح قلبي من جديد ولا لأحتسي دموع عيني، ولالأمتص ذلك الألم السائل من سنوات عمري......
إلهي كيف لي أن أجد نفسي وقد أنفقت جل عمري باحثة عن ظلي ؟!
كيف لي أن اسمع صوتي وقد ابتلع صخب الحياة صداه؟!
لم أشعربتحجرلغتي وتجمد حنجرتي وتلعثم لساني وأنا صنعتي الكلام؟
لم اشعر أن حواسي خرساء مثل قلمي وعاجزة عن وصف ما اعتراها؟
اشتقت إليك إلهي فقد ضاقت بي السبل وتاهت روحي الظمآى في صحارى اليأس تدعو وليس من مجيب سواك.
سئمت، سئمت من ممارسة اللاشئ وأرهق جسدي من نوم الثماني ساعات.
لا ،لا تتساءلوا كيف تنام ثماني ساعات وكيف لي ألا انام؟! وقدأثقلت كواهلي بالاوجاع وأنهكت جسدي هموم لا ينوء بحملها بشر، هموم اكبر من أن يتسعها الكون وأعظم من ان تسكن جسدا واحدا هموم تجعلني:
لا أسمع سوى أنين قلبي مدويا في فضاءاتي، ولا أرى سوى كآبة روحي متجسدة في كل تصرفاتي ولا أشعر سوى وخزات الحزن تخدر جسدي ،وتجعلني في حالة من اللاوعي أتخبط بعشوائية كالأعمى الذي شاءت له الاقدار أن يرى قبح الحياة وبؤسها بعد خمسين عاما من التنسك في محراب ذاته الذي كنفه الديجور وحجب عنه نور الحقيقة...
لطالما راودني ذلك السؤال قافزا إلى ذهني قاضا مضجعي :
ما شكل الوقت ؟لم أحسه شبحا أسطوريا يعيش فقط ليبتلع كل آمالنا؟
ترى أيهما قلب للآخر الوقت أم الساعة؟وهل ستتلاشى ملامح الوقت إذا ألقينا كل الساعات وراء الشمس؟
لكنني في الحال أدرك أن الساعة ليست الشيء الوحيد الدال على الوقت، فكل نبضة قلب تذكرنا برقاص الساعة وكل رعشة تسري في أجسادنا تذكرنا بيوم سيسجل في صحيفة أعمارنا،وكل إشراقة شمس ستذكرنا بمولد نهارجديد نجهل كنهه.
غريبة أنا والغربة تقتلني....
فتعانق نفسي أوجاع العالم كله ....
صوتي ما عاد له قيمة فالكون أصم لا يسمع....
رباه إلى من أتحدث لغتي مبهمة للدهر كلماتي تولد...
في مقبرة الدهر...
تأكلني الحيرة تثقبني تجعلني ذكرى منسية....
في ذاكرة الأبدية.......
فأبوح بمكنونات ذاتي لذاتي، وأتحدث عن نفسي لنفسي، وأردد صوتي على مسامعي التي لم تعتد إلا سماع عويل قلبي المفجوع وتنهدات روحي المكلومة.
مهلا ،هوني عليك يانفس فكل شئ زائل لا محالة ، وما مأساتك سوى حلقة صغيرة من سلسة الآمال المبتورة،واذا كان هذا الكون بعظمته ودقة عناصره ذاهبا بغير إياب ومنتهيا إلى الأبد، فلا بد لمسلسل حزنك أن ينتهي ولابد لرياح الامل من ان تهب فتحمل معها غمامة اليأس التي غطت سماءك منذ عهود.