بسم الله الرحمن الرحيم
و انا اقرأ قصيدة (عتاب قلب) للشاعر /جمال حمدان ، حاولت اغوص في اعماق نفسية الشاعر ، علّني اجد دافعا جعله ينظم هذه القصيدة ، ... و بعد تمعن ورويّة ، خرجت ببعض الافكار و المقارنات . سأطرحها ان سمح لي شاعرنا الكبير . و ذلك لطول باعه في الشعر و الادب ، و قصر فهمي في النقد الادبــي .
و لفهم القصيدة اكثر لابد ان نجري مقارنة جوهرية بين شاعرنا و قصيدته هذه ... و المقنع الكندي و قصيدته (يعاتبني في الدين قومي...) لأن كلا الشاعرين اتحدا في العتاب و اللوم ، و تباعدا في المعاتب . بينما نرى المقنع يستهل قصيدته :
يعاتبني في الدين قومي انما *** ديوني في اشياء تكسبهم حمدا
اي ان هناك اناس قد يستطيع محارتهم و الدفاع عن نفسه ، وهناك سبب يرمي اليه ، الا و هو حمد قومه و شرفهم.
الى ان الشاعر جمال حمدان ، يستهل قصيدته :
إلامَ قلبُكَ يا حمْدانُ ينخَدِعُ
.............. وهلْ بصَدرِكَ وِسْعٌ فوقَ ما يَسَعُ!
هنا نجد صراع شديد ، وحرب لا هوادة بين الشاعر و مابين جنبيه الا وهي نفسه ، نلمح من اول وهلة المعاناة التى يقاسيها الشاعر... و رغم اصيب من تقلب الزمان ، و تنكر الاصحاب و الخلاّن ، و بلغ الضيق مداه... الاّ انه مازال يردد في اعماقه...لعل ... و عسى ...
أمَا تَمَلٌّ !...... و الملل الذي يقصده شاعرنا ، ما هو الاّ خيبات الامل التي تجرعها الواحدة تلو الاخرى
رغم ان شاعرنا ذا همة عالية ، و قلب كبير ، و اياد بيضاء ، الا انه يلاقي الجفاء ، ونكران الجميل. و الام القطيعة .
و يبين لنا الشاعر الغرض الذي جعله يداوم على هذه السجايا ، نلمحه في هذين البيتين :
فإن كتمتُ ... فإنَّ القلبَ منزلُهُم
................. وإن جزِعتُ .. ففي قلبي همُ بِضَعُ
وحسبُ عيني أنْ قَرَّتْ بِهْم زمنًا
................ فكيفَ أقلعُ عيني .. إنْ بِها وجَعُ !
هكذا يريد ان يصور لنا .... ان له نفس كبيرة ، و له صفات مطبوع عليها ، و ملتصقة به ، و يحيا بها.
هذا ، اما اذا نظرنا الى القصيدة من ناحية المعاني و البيان ... نجد ان شاعرنا قد صاغ قصيدته بمعان محكمة مترابطة بنسيج من المفردات و الالفاظ ، تتصاعد في منحنى يوحي لنا بالمعاناة و الالام الذي اصيب بها شاعرنا( ينخَدِعُ ـ قطعوا ـ الهمٍّ ـ تنتزع ـ سهمٍ ـ الم ـ وجع ....)
هذا اما اذا نظرنا الى المحسنات اللفظية ، نجد شاعرنا قد جاء بها ، و لكنها عفوية ... ولا ضير ان يأتي الشاعر ببعض الطباق مثل(قطعو /وصلوا ـ اعطوا/منعوا ....) و نلاحظ بعض الجناس غير التام مثل(تزعزع/ تنتزع ـ قرعت/اقترعوا ...)
هذا ، و قد التعليق بالانتهاء ، اننا نحس ، بل نكاد نلمس الالام الذي يعيشها جمال حمدان ، لانه استطاع ان يبرزها لنا و كأنها ماثلة للعيان ، و حسبه انه كان صادق العاطفة . و يكفيه فخرا ان المقنع الكندي اراد يظهر لقومه خصال حميدة ... لكن جمال حمدان ليس بحاجة لأظهار ذلك ، لأنه مطبوع على هذه الخصال . و احسبه كذلك ، و الله حسيبه .