لـن يعـود
اندفع راشد إلى أمه وهو يجهش
ببكاء مخنوق وألقى برأسه
الصغير على صدرها قائلا :
أمي أنا لم أضربها ولكنه لم
يصدقني لقد عاقبني مرة أخرى…
رتبت الأم بحنو على ظهره ومررت
أصابعها بين شعره الناعم المنساب
على وجهه ومسحت دموعه ..
لا بأس يا راشد هذا عمك وعليك
أن تطيعه ولا تعارضه ..
ولكن يا أمي ..
قاطعته الأم قائلة قلت لا بأس
فهو مثل أبيك ويحبك مثل ابنه
تماما ولكنه سريع الغضب أحيانا ،
وأنت لا تزال صغيرا فعندما تكبر
ستدرك هذا ..
انتفض راشد من بين يدي أمه قائلا :
لا تقولي مثل أبي إن أبي …
أمي أين أبي لماذا لم يعد كما قلتِ ؟
لماذا لم يكلمني كما كان عندما كان يسافر ؟
لماذا ….!
أمي هل تبكين ؟
لا يا راشد فقط عيناي كما تعلم
مريضة منذ زمن ولكن لا تقلق سأذهب
إلى الطبيب عندما يأذن لي عمك ..
أمي لماذا لم يعد أبي ….؟
قلت لك إنه سيغيب كثيرا …وقد ……
يتهدج صوت الأم ..لم تعد قادرة على الكلام ..
يعود راشد ويرتمي في أحضانها ويدس
رأسه في صدرها ..
لا تخافي يا أمي عندما أكبر سآخذك
إلى الطبيب وسيكون أبي سعيدا عندما
يراني أقود سيارته ..
أمي أين سيارة أبي ..؟
أنتِ قلتي أنه سافر بالطائرة …
هل أخذ السيارة معه في الطائرة ..
ولكنها كبيرة .. أين ستجلس …؟
يضحك راشد ولا تزال دمعة عالقة
بجفنه وأمه مطأطئة الرأس وتلثم
وجهها بطرف منديل تضعه على كتفيها .
راشد هيا نلعب في الخارج ..
اذهب يا راشد والعب مع ابن عمك
ولكن حذار من الشجار ..
أنت تعلمين يا أمي أنني لا أتشاجر
مع أحد ولكنها لا تحبني حتى عمي لا يحبني ..
تبكي دائما فيضربني عمي .. ويأخذ
أخوها لعبتي وإذا استعدتها
بكى فعاد عمي ليضربني مرة أخرى ..
أمي أنا لا أحب عمي هذا ..
عندما أكبر لن أدعه يضربني ..
وعندما يعود أبي سأخبره عن كل شيء ..
أمي متى يعود أبي ..؟
هل يحبني أكثر من السفر ..؟
عندما يعود لن أدعه يسافر مرة
أخرى .. سأخبئ حقيبته الكبيرة …
يصمت راشد برهة ..
يعتدل قائما … كأنما تذكر أمرا
جللا ..
بسرعة ينطلق إلى حجرة النوم
وأمه تراقبه مندهشة ..
يعود راشد وهو يجر خطواته ..
ويداه خلف ظهره .. مطأطئ الرأس ..
أمي أين سيارة أبي .. ؟
أمي هل سيعود .. ؟
أمي حقيبة أبي الكبيرة
موجودة فوق خزانة الملابس …
آه ربما اشترى حقيبة جديدة ..
هيا يا راشد لقد تأخرنا ..
الكرة معي ..
يخرج راشد مع ابن عمه يصل عند
الباب ثم يلتفت إلى أمه ..
يقف برهة ثم يخرج ..
تتعالى ضحكات راشد مع أصدقائه
وهو يلعب معهم الكرة في مدخل
المنزل ..
وفجأة يقوم أحدهم بقذف الكرة
صوب نافذة البيت فيحطمها خاف
الجميع وتسمروا في أماكنهم ..
خرج العم مهرولا متجها صوب
النافذة المحطمة ..
الزجاج تناثر في كل مكان وكل
الأولاد ينظرون إليه بخوف شديد ..
يحمل الكرة بيمينه ويتجه إليهم
يتقدمه ( كرش كبير ) وبملامح
قاسية .. يمرر عينيه على الأولاد
كلهم حتى تسمرت على راشد ..
يكاد راشد أن يتجمد مكانه ..
يقترب منه بعد أن ألقى الكرة ..
أغمض راشد عينيه .. وراح يتذكر
أشياء كثيرة ..
الحقيبة السوداء .. سيارة أبي ..
بكاء أمي ..
شد قبضتيه الصغيرتين .. وألصقهما بجنبه .. أمال رأسه قليلا ..
أغمض عينيه بقوة .. ضغط على
أسنانه .. وصاح بأعلى صوته ..
نعم .. نعم .. أنا كسرت النافذة
……لأن أبي لن يعود ….