أول من قال بـ( نسبية الحقيقة ) :
أول من قال بها هم السوفسطائيون - وعلى رأسهم كبيرهم الفيلسوف بروتاغوراس - الذين ظهروا في اليونان ما بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد ؛ حيث كانت اليونان تموج بمجموعة من الأفكار والمذاهب المتباينة المتنوعة ؛ فلجؤا لهذا القول في تأييد الآراء المتناقضة ؛ إما شكًا في الجميع ، أو للتخلص من جهد طلب الحقيقة .
يقول الدكتور علي سامي النشار: ( نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة "إن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما لا يوجد" ثم أخذ بهذا الشُكاك بعد، فطبقوها على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقة من حقائق العلم ثابتة أو مستقرة، بل كل شيء –كما يقول هرقليطس- في تغير مستمر) . ( مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص 191 ) .
ويقول الدكتور عمر الطباع عن السوفسطائيين: (وكانت هذه الجماعة تنكر وجود حقائق ثابتة، وتدعي أن الحقيقة نسبية). (السلم في علم المنطق للأخضري، ص7 ) .
- ( لقد عبر بروتاغوراس زعيم السوفسطائيين عن فكرهم في كتابه "عن الحقيقة" الذي فُقد ولم تصلنا منه إلا شذرات قليلة يبدأها بقوله "إن الإنسان معيار أو مقياس الأشياء جميعاً" وفي هذه العبارة القصيرة تكمن الثورة الفكرية للسوفسطائيين في مختلف ميادين الفكر. إنها تعني بالنسبة لنظرية المعرفة أن الإنسان الفرد هو مقياس أو معيار الوجود، فإن قال عن شيء إنه موجود فهو موجود بالنسبة له، وإن قال عن شيء إنه غير موجود فهو غير موجود بالنسبة له أيضاً، فالمعرفة هنا نسبية، أي تختلف من شخص إلى آخر بحسب ما يقع في خبرة الإنسان الفرد الحسية، فما أراه بحواسي فقط يكون هو الموجود بالنسبة لي، وما تراه أنت بحواسك يكون هو الموجود بالنسبة لك، وهكذا ). (مدخل لقراءة الفكر الفلسفي عند اليونان، للدكتور مصطفى النشار، ص70 -71).
فتعاليمهم - كما يقول مؤلفا " قصة الفلسفة اليونانية - ( تعاليم هدامة لكل نظام اجتماعي ؛ للدين ، للأخلاق ، لكل نظم الدولة ) . ( ص 69) .
وللزيادة عن السوفسطائيين ؛ انظر : " تاريخ الفلسفة اليونانية " ليوسف كرم ، و " الفلسفة اليونانية : تاريخها ومشكلاتها " لأميرة مطر ( ص 115 ومابعدها ) ، و " تاريخ الفلسفة اليونانية " لماجد فخري ، و " التعريفات " للجرجاني ، و " قصة الإيمان " لنديم الجسر ( ص 36-37) ، و " فلسفة الأخلاق " للدكتور توفيق الطويل ( ص 47-49 ) ، و " مختصر تاريخ الفلسفة " للمختار بنعبد لاوي ( ص 13-14) ، و " الموسوعة الفلسفية " للدكتور عبدالمنعم الحفني ( 482 ومابعدها ) ، و " المعجم الفلسفي " للدكتور مراد وهبة ( ص 444 وما بعدها ) ، و" ربيع الفكر اليوناني " لبدوي ( 165-180) ، و" قصة الفلسفة اليونانية " ( ص 62-72) ، و مقال " السوفسطائيون " لزكي نجيب محمود ، مجلة الرسالة ، صفر ، 1353.
وفي العصر الحديث :
تلقف أصحاب المذهب " البراجماتي " هذه الفلسفة ؛ لأنها تناسب مذهبهم النفعي المصلحي المتلون :
- ( ليس من شك لدى أحد الآن أن بروتاجوراس هو الجد الأول للبراجماتيين المعاصرين؛ سواء على المستوى الفلسفي، أو على المستوى الحياتي؛ إذ لا يمكن فهم أقوال هؤلاء البراجماتيين معزولة عن آراء جدهم الأكبر ، فحينما يقول وليم جميس: "إن الحقيقي ليس سوى النافع الموافق المطلوب في سبيل تفكيرنا تماماً، كما أن الصواب ليس سوى الموافق النافع المطلوب في سبيل مسلكنا" و"أن المطلق ليس صحيحاً على أي نحو" . فهل يمكن أن نشك لحظة في أنه وأقرانه يمثلون بروتاغوراس العصر الحالي؟! لقد كان شيللر –وهو أحد كبار الفلاسفة البراجماتيين- على حق حينما كتب كتاب " why protagoras not plato معلناً أن بروتاغوراس هو جدهم الأول ) . (فلاسفة أيقظوا العالم، د. مصطفى النشار، ص 77).
- (إن المذهب البراجماتي حين يقرر أن مقياس صحة الأفكار يتوقف على نتائجها، فهو بذلك يجعل الحقيقة نسبية غير ثابتة، أي تتغير وفقاً للظروف وأحوال الأفراد والمجتمعات ) . (تطور الفكر الغربي، لمجموعة من الباحثين، ص 424).
- البراجماتية (تعيد إلى ذاكرة التاريخ نسبية السوفسطائية التي تزعم أن الفرد مقياس كل شيء). (أعلام الفلسفة الحديثة، د. رفقي زاهر، ص 171).
- ( الفلسفة البراجماتية تتلخص اليوم في أفكار موجزة ؛ من أشهرها : .. الحقائق نسبية ، ولايمكن الوصول إلى حقيقة مطلقة ) . ( مقال : الطريق إلى العقلية الأمريكية ، محمد فالح الجهني ، مجلة المعرفة ، شوال 1425). ( وانظر : قصة الفلسفة اليونانية ، ص 71).
منقول...
محبتي
جوتيار