هل بيتت قيادة السلطة الفلسطينية على استدراج قادة فصائل المقاومة لكي يرتكبوا فعلا احمق يكون الشرارة الاولى لحرب اهلية فلسطينية؟ بتجميدها ارصدة عدد من المؤسسات الخيرية الاسلامية ذات الصلة بتنظيم «حماس» في غزة ووعيدها باتخاذ «اجراءات اخرى» اخترقت السلطة الفلسطينية خطا احمر جديدا على طريق تصعيد الاستفزاز تجاه فصائل المقاومة الوطنية المسلحة واذا اضفنا الى هذا الفعل ما سبقه وما سوف يليه من استفزازات مماثلة لن يكون عسيرا القول ان قيادة السلطة عقدت العزم فيما يبدو على جر الفصائل الى صدام دموي دون ان يبدو في اعين الشعب الفلسطيني ان السلطة هي الطرف الباديء بالعدوان.
اجراء تجميد الارصدة سبقه دعوة صدرت عن الرئيس عرفات الى الفصائل لالقاء سلاحها والزام نفسها بهدنة جديدة، والجديد في هذه الدعوة هي انها بمثابة تعضيد لدعوة سابقة مماثلة درج على ترديدها رئيس الوزراء محمود ابو مازن ومساعدوه. وعلى هذا النحو فان الرسالة الضمنية التي تحملها دعوة عرفات مفادها انه بغض النظر عن الخلاف البيروقراطي بين الرئيس الاكبر والرئيس الاصغر حول من يستأثر بالسيطرة الكاملة على الاجهزة الامنية الفلسطينية فان الرئيسين متفقان على نزع سلاح المقاومة في سياق تسابقهما نحو استرضاء الادارة الاميركية.
ولكن ما هو اولا مغزى تجميد ارصدة مؤسسات خيرية اسلامية؟
قيادة السلطة الفلسطينية تعلم علم اليقين ان هذه المؤسسات ليست ضالعة في تمويل العمل الجهادي لفصائل المقاومة، فأموالها لا تذهب اطلاقا الى شراء اسلحة او نحو ذلك.
لكن قيادة السلطة تدرك من ناحية اخرى ان النشاط الخيري الانساني لهذه المؤسسات يضفي على فصائل المقاومة شعبية واسعة النطاق، فكأنما هدف السلطة هو حرمان الفصائل من هذه الشعبية.. فتنظيم «حماس» هو الذي يرعى هذه المؤسسات الخيرية.
انها مؤسسات تقوم بما لا تقوم به السلطة الفلسطينية من اعانة الاسر الفقيرة، وخاصة الاسر التي تفقد عائها او عائليها من شهداء المقاومة عائلها فهي انشأت مستشفيات شعبية وملاجيء للايتام وتدفع رواتب منتظمة للاسر وترعى المعوقين وتنفق على تعليم اطفال الاسر غير القادرة.
وهذه الصورة هي بالطبع مكان مقارنة في اعين فئات الشعب الفلسطيني مع الاموال التي تتلقاها السلطة الفلسطينية ولا يعلم اوجه صرفها.
ولا تفسير مقنعا لاقدام قيادة السلطة الفلسطينية على تجميد ارصدة المؤسسات الخيرية الا من حيث انه فعل قصد به اجبار قادة فصائل المقاومة على الرد بفعل احمق ضد السلطة.. وبذلك تتوفر ذريعة لقيادة السلطة لتلبية الضغوط الاسرائيلية بالدخول في صدام دموي مع الفصائل.
ونعلم ان الرهان الذي تولى ابومازن بموجبه زمام السلطة كرئيس حكومة هو القضاء على المقاومة المسلحة تحت شعار «وضع نهاية لعسكرة الانتفاضة». ولكن ابومازن ظل مترددا في اشعال صدام يؤدي الى دمغه بالتسبب في حرب اهلية فلسطينية. وإذن تكون المعادلة المطلوبة من وجهة نظره هي كيفية استدراج الفصائل بتراكمات استفزازية لتبدو في نظر الشعب الفلسطيني وكأنها هي المتسبب في الحرب اذا وقع الصدام فعلا.
عدا ذلك فإن تبرير السلطة لاجراء تجميد ارصدة المؤسسات الخيرية غير مقنع.
في سياق التبرير يقول وزير الاعلام نبيل عمرو ان الهدف هو ضبط عمل المؤسسات وأن هذه الخطوة تأتي في اطار «تطبيق القانون» على جميع المؤسسات في الأراضي الفلسطينية، اي ضبط وأي قانون؟!
ان ضبط نشاط عمل خيري انساني في ظروف مقاومة شعبية ضد احتلال اجنبي ليس بتجميد هذا النشاط وانما بالتشاور الوطني الودي مع القائمين عليه بهدف تشجيعه وتوسيع دائرته ومساعدته.
وما هو ذلك القانون الذي يهدف الى تكبيل مؤسسات انسانية تعمل في اطار حركة تحرر وطني؟