الخروف .. وأنا ..و ( حُنـْدُق )
( أبوك جاب خروف)
بهت الحرفوش الصغير وهو يسمع أطفال الحارة الذين تجمعوا حوله وهم يتصايحون وعلى رأسهم صديقه المخلص ( حُنـْدُق ) خيف الدم والروح ... المتباعد العينين الرفيع كعود برسيم جاف.
ألقى بحقيبته المدرسية المهترئة على رصيف الشارع وركض إلى حيث بهو السلم ...كان الزحام شديدا ... إذ تجمع الصغار, ولدانا وبناتا .. تحت الدرج حيث من المفترض أن يكون الخروف هناك ... تناول صديقه ( حُنـْدُق )حقيبة صاحبنا وحملها نيابة عنه.لم لا وهو مالك الخروف؟ والخروف خروفه.وركض خلف صاحبه بصعوبة.
تقدم الحرفوش الصغير بثقة بالغة ... وهو يدفع المتزاحمين ويبعدهم عن طريقه في حنق :
انكمش الصغار على الجانبين وشق طريقه نحو الخروف المتوسط الحجم البني اللون الصغير القرنين ..الذي كان محاطا بثلة من الأطفال منهم من هو ماد يده بشيء من البرسيم .. ومنهم من يداعب قرنيه ... ومنهم من يتحسس فروته .. ومنهم طفل جريء قد ارتقى ظهره كفارس فوق حصان ...
( إوعا ... دا بتاعنا) ... شد الصبي من طوق قميصه وأوقعه أرضا ... ثم أبعد الجميع معطيا وجهه لهم مادا ذراعيه إلى جانبيه على اتساعهما كحاجز أمني ... وظهره إلى الحيوان المستكين ... وأزاح بيده المتدافعين فوقع منهم من وقع وبكى من بكى ... لكنهم كانوا جميعا ينظرون إليه وهو يتقدم نحو الخروف – بحسد شديد .
كان مزهوا ... متكبرا.. أليس الخروف خروفهم وهو الأحق به ... يلاعبه ... يطعمه ... يداعبه أو يركبه حصانا .... هو حر .... ( أه خروفنا) زمجر فيهم وهو يمد يده يتحسس فروته وقرنيه ... مادا يده إليه بشيء من أعواد البرسيم الجافة.
ران الصمت على الجميع... الكل قال رأيه ... منهم الممتعض ومنهم صاحبه المخلص ( حُنـْدُق )الذي كان يقف عن بعد وهو يربت صدره بكفه الصغير مذكرا إياه بصداقتهما الحميمة ... كي يسمح له بمداعبة الخروف ... ومنهم من ترك المكان لا يلوي على شيء ومنهم من تعلق برأس الدرج ليشاهد الأمر من عل ومنهم قائل :
(بكرة أبويا حيجيب واحد أكبر)
ولكنه أصدر قراره الحاسم .... الخروف خروفنا ولن يلمسه أحد .... حتى أنت ... مشيرا إلى ( حُنـْدُق ).
وهنا قال الخروف أيضا كلمته ..... أفلت فجأة من عقاله .... واندفع ضاربا ظهر الحرفوش الصغير ...الذي أنكفأ على وجهه .مأخوذا بدهشة وغضب ... وعاد الخروف إلى مكانه ثانية في هدوء.
قام صاحبنا من فوره وهو يصرخ محاولا لملمة شيئا من كرامته بين ضحكات الأطفال وشماتتهم ... إلا أن الخروف اندفع إليه مرة أخرى ... فانطلق إلى الحارة... مذعورا والخروف في إثره ... وثلة الصبية والصبايا وراءهم مهللين ضاحكين مصفقين ... الصورة عن بعد : الحرفوش الرفيع .... ووراءه ببضعة أمتار خروف غاضب ... ومن خلفهما ... يركض حشد من الأطفال كبير .
وكان سباقا دام وقتا غير قصير ...
الخروف منطلق كالصاروخ وأمامه يفر مذعورا صاحبنا الحرفوش ... لم يترك نافذة إلا وركبها ممسكا بقضبانها ...ولا شجرة إلا وتسلقها ولا عامود نور إلا وحاول أن يصعده ولا عابر سبيل إلا والتف حول ساقيه يكاد يوقعه..... وصاحبنا الخروف ... المتوسط الحجم .. البني اللون ذو القرنين الصغيرين , يدور وراءه بخبرة بارعة وينطحه في مؤخرته ... ويدوس عليه إن سقط تحت أقدامه ...
لا ندري كم مر من الوقت والحارة قد تحولت إلى سباق محموم وصخب أطفال ... وغبار وضحكات وتصفيق ... وامتد السباق ليشمل الشارع الكبير ...وامتدت حمى التشجيع والضحك إلى النوافذ والبلكونات ... والمحلات ... والدكاكين ...
لم ينقذ صاحبنا من ذلك كله إلا اندفاعه إلى صالون عم ( تبارك) الحلاق .... وهناك كان أبوه ... ينتظر دوره كي يحلق فروة رأسه ....نعم أب الحرفوش وليس أب الخروف بالطبع ...
وكانت علقة ثانية ... وركضا جديدا ... وهتافات شتى.
ووراء كل هذا الحشد , كان ( حُنـْدُق ) يركض معهم أينما ذهبوا ... حاملا حقيبة مدرسية مهترئة.
1-1-07