• رؤية نقدية
بين مستوياتِ اللغةِ الشعرية، وأبعادِ التجربة الإبداعية
قراءة في البناء اللغوي لقصيدة : "اسمُك راشيل كوري" للشاعرة: فاطمة ناعوت
راشيل كوري تحاول إيقاف جرافة الاحتلال الصهيوني
مدخل:
تهدف هذه القراءة إلى تأمل العلاقة بين توظيف القصيدة لمستويات اللغة ، وأبعاد التجربة الإبداعية التي تخوضها.
ولما كانت القصيدة الجيدة ذات أبعاد متعددة كان لا بد لقارئها محاولة رصد تلك الأبعاد وتجليتها ، وقد رأيت في البحث عن مستويات اللغة المتدرجة، وأساليبها المتنوعة ، ووظائفها السياقية سبيلا مهما من سبل الكشف عن أسرار بنائها اللغوي، ودلالاته الثرية.
تقول تشايكا( Chaika ): "إن الأسلوب يشير إلى انتقاء أشكال لغوية معينة بغرض إيصال تأثيرات اجتماعية أو فنية ما". (1)
وتوضح قيمة هذه الأشكال قائلة:" أشكال لغوية متناوبة لإيصال المشاعر الشخصية أو الرسائل الأخرى اجتماعية اجتماعيةً كانت أو فنية".(2)
فهي إذن "أساليب تتوزع على المواقف المختلفة فيأتي الوقت المناسب لكل منها عندما يحصل الموقف الذي يقتضي هذا الأسلوب أو ذاك".(3)
وهنا تظهر مقدرة المبدع في انتقاء هذه المستويات الدالة على الأبعاد الفنية والإنسانية ، وأرى أننا يمكننا أن نتخذ قصيدة:" "اسمُك راشيل كوري" للشاعرة: فاطمة ناعوت". أنوذجًا لبيان القيمة الفنية والدلالية لتوظيف المستويات اللغوية المتعددة في النص الشعري، لأنها جاءت معبرة عن تجربة إنسانية مشحونة بالأبعاد النفسية ، الاجتماعية والسياسية كل ذلك في بناء فني موحٍ.
أولا: النص :
"طبعًا
كنتِ ترسمين وردةً
في أوراق حصة الحساب
وتومئين للمعلِّمة بين لحظةٍ وأخرى
كأنكِ تتابعين الدرس.
وربما
شُغِلتِ بابنِ الجيران
عن إتمام واجب التاريخ
لتضحكَ البناتُ في الفصل
من دفترك المملوء قلوبًا وأسهمًا
محلَّ أسبابَ الحملة الفرنسية على مصر،
أقصد
أسبابَ محوِ فيتنام
وحتميةَ القرنِ الأميركي.
ولابد نامَ شعرُك محلولاً
في انتظار كوبِ الحليب
وقُبلة الأمِّ في الصباح،
تحلُمين بولدٍ أزرقِ العينين
سيحلُّ يومًا محلَّ دبدوبِكِ الأبيضْ.
أزرقُ وأبيضُ
موجٌ وزبَد
لونان جميلان!
في زهرةٍ بفستان صبية،
وجناح عصفورٍ فوق حافةِ شرفتك
وسماءٍ وسحابة في كراسة رسم،
في ألبوم الصور،
وليس في عَلَمٍ ينقرُ عينَ صبيٍّ
بستة مناقيرَ مدببةٍ
حتى ولو حملَ
اسمَ نبيّ.
مثلَ البنات تحلُمين
في الصباح تحملين كيس الفلوس
وتعودين بعد ساعة من المتجر
بكيس كرفس وبازلاّء
ولن تنسي كيزانَ الذرةِ الصفراءِ التي يحبها الصغار.
طناجرُ وملاعقُ
وأكروبات
بين المطبخ والمغسلة
وغرفة الأطفال التي يجبُ أن تُرتَّبُ
قبل الرابعة.
ماما خرجنا اليومَ لنطاردَ الضفادعَ
وغدًا نمزّقُها بالمِشرط
حرامٌ يا ديفيد!
ماما هو درس التشريح
كي نعرفَ ماذا تخبئُ في بطنها.
قومي يا حبيبة وكفى نومًا
البناتُ بالخارج
...
ما أثقلَ نومَك يا راشيل
قومي!
لكنني لن أذهبَ للمرقص
أمي أين باسبوري الأزرق؟
مثلُنا جميعًا يا بنت
أحببتِ وحاورتِ المرآةَ
وأخجلتكِ نقطةٌ حمراءُ في الفستان،
مثلُنا جميعًا
رسمتِ كيوبيد وسهمًا وحرفيْن
وانتظرتِ الفارسَ والحصان،
مثلَ كلِّ صبيّةٍ سمراء
تمنيتِ حذاءً عاليَ الكعبِ
وجوربًا شفافًا
وأضجرتِك شرائطُ الشَّعرِ والضفيرة،
ومثلنا – لو كنت تمهلّت–
ستنتجين صغارًا
وتلعنين سخافاتِ الرجال
مثلنا أنتِ
لكننا لم نقف أمام جرّافة لتسحقَنا
لنوقفَ مدفعًا
يريد أن يخطفَ طفلا
من ضحكته." (4)
==