وَهَاقَدْ جِئتُ مَدِينَته، كَبيرةٌ وَصَاخِبة، مِثلُهُ لَا يَحتَاجُ لمِثلُهَا تَكفِيه,, صَومَعَة وَقَلَمْ لِيُمَارِسَ الحَيَاة !
بَعدَ الواحِدَة والتّيه...كَانَ الِلقَاءْ، لِشّدةِ اشتِيَاقِي رَمَقتُهُ بِمِرآتِي قَبلَ النُزُول..رُبَمَا لِأنَهُ كَالشمس
لَا نَسطِيع مُشاهَدتهَا مُبَاشَرَة..لابُدّ مِن تَدَرّج
لَيسَ غَرِيباً أنْ نُسَافِر مِن أجلِه، لَكنِ الغَرِيب أنْ نَحتَرِفَ التّيه فَنَجِدُهُ خَلفنَا مُبَاشرة
بتيهٍ أكبر منه،
للمُصَافَحَة بَادَرتْ فَقَد شَبِعتُهُ صَوتَاً وَجِعتُهُ صُورَة -مَن يَدرِيْ- رُبمَا لَو كَانَ صَامِتاً لبدا أجمل
لَكنَهُ رُغمَ ذَلِكَ كَانَ أجمَل !
وَجَدتُهُ كَأنا نَقِيضِي وَأُشبِهُه..........حَتى مَركَباتُنَا تَشيخْ بِالتَنَاوبْ..!
كانت سَمَاؤنَا مُلبَّدة بِالدُخَانِ وَاللغط..وَكَانَتْ قُبّعتهُ الغَريبَة كَأطهَرِ بِقَاعِ الَأرض سَوَادُهَا بياضْ،
(بادرني) أن : كَيفَ حَالك؟
لَا أعلَم أكانَ يَعنِي أن كيف حالك من قبلي وَمِن بَعد !
ابتَسَمتْ..وَأومَأتُ بِرَأسِي أن بِخِير، وَكَانَ لِسَانُ حَالِي أنّي (الَآن) أصبَحتُ بِخير..
دَارَت أحَادِيثُ عَابِرَة بَينَنَا لَم يَكُن شيءٌ من الأهميّة بِهَا سِوىْ بَأنّه مَن أدارَهَا،
لَا أدري أنحن من تجوّل به !؟أم هو من تجوّل بنا !؟ أم كَانَتِ الَأقدار من تَتَجوّل بالمركبة خاصّته،
كَانَ كُل شَيء مِن حَولنَا يَتَحَرك، إلّا نَحنُ وَالمَقَاعد !
البدر ثَرثَرَ كَثيرَاً فِي تِلكَ الليلة ; لَم يَحتَرِف صَمت المَلَائِكة كَصَاحِبِي فِي الوَرَاء..
جَميل أن أختَلِي بِالبدر "وَالنُورُ" ثَالِثُنَا..!
ابتَسَمَ النادل..وَبِدِفء -يُشبِهُ قَهوَتَه-صَافَحَنَا..
-ائتنِي بِقَهوَتِك..قُلتُهَا لِبَدرْ،
فَجَائَنِي..
القهوَة نَحتَاجُها مِن حينٍ لَآخر ولَا نَمُوتُ بِفَقدِهَا، كالصديق تماماً..
وَالصَدِيق نَحتَاجُهُ وَقتَ الضِيق كَالتِّبغُ وَالقَهوَة !
لستُ أعلم مَا إذا كَانت قهوته السبَبَ فِي احتِرَافِي دور حكيم،
لكنّي متيقّنٌ من أنّه أتقن اختِرَاقِي كَحِكْمَه..
بِهَيبَةِ الكُهُول تذَاكرنَا طفولتنَا تَخطَّينَا أسوار النِسيان بِسُهُولَة فَمَوَاقِفُنَا بِهَا ...... كَالتَّعلُمِ بِهَا
نقشٌ عَلَى الحَجَرْ...
شَارِبُهُ كَذاب .. لَم يَكُن وَاضِحَاً بِمَا فِيهِ الكفاية -يقولون: مَن عاشَرَ قَوماً صَار مِنهمْ...... وَقَد كَان !!
ربما يعود السبب لإخضرار لحيته ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) ولأنه لاريب في كلامه فصدق الله العظيم،
الغَرِيب بَأنِّي لَم أشَاهده باكياً قَط، بِالتَأكِيد كَانَ بِصَمت يَسقِيهَا..
كثيرةٌ هِي الأشيَاءُ التِي نَتَجَاهَلُهَا فِي حِين أنَّهَا تَستَحقُّ التَّدَبر، وَأكثر مِنهَا مَا ليسَت تَستَحِق وَنَتدبرها !!
الشَّمس صَارخٌ سطوعها وَلَم تتكلم
البَحر ذاك القَاتِلُ الغَامِض الذي يَهَابه الكِبَار وَيُحِبّهُ كُل طِفل !
الشجَاعـَة وَالتِي يُتقِنُهَا الَأعمَى أكثر مِن غَيرِه، وَالمُحِب أعمَى العُميَان !
الوَجَاهَة وَالتي أصبَحَت حِكرَاً لِمَن يَملك أكثر مِن وجه..
القلم ذَاك الذِي يُرَافِقنَا مِن شَهادَة الميلَاد إلى شَهَادة الِإيلاج
في قبرـ !
الصَراحَة تِلكَ العَانِسُ الجَمِيلة التِي تَخطِبُهَا الشِفَاه وَتَلفظهَا الصُدُور
وأكثر من ذلك..الموت والخُلُود..أبد الآبدين في جنةٍ أو نَار !!
( وفجأة )
-فواز.. أين نتسحّر !؟
في الحقيقة أوكلتُ الَأمرَ إليه، فقد كان الجلوسُ معه سحورٌ بحد ذاته..
كان يتحدث كثيراً وكنت أرنو إليه بصمت..
نَبيلةٌ قَسَمَاته كَصَدرِهِ الوَدُود وظلّه الدائِم، يَنتَمِي لِكَوكَبِ الجُنُون وَالنَّوحِ وَالخَرفْ
يَكرَهُ القُيُود لَكِنَّهُ كَالتلْ صَابرٌ بِخَجل !
هَكذا ألخّصه, فمثلُهُ لَا نستطيعُ اختِصَارهُ أكثر !
تَعلّمتُ منهُ التفكّر فِي اللاّشيء فضلاً عن الشيء،
وبأن النِفَاق وَالجُبن وَجهَان لعملةٍ واحدة تجتمع في "الإنسان العربي"
كانت الحَقِيقَة مَن تَسقِينَا الشَّاي مُرّا فِي يَومِنَا التَالِي وَكم كَان قَوامُها صَادِقا بِحُضُورِه ،
قاطعته قائلاً: إمَا بِأنكَ عَاقِلٌ بَينَ مَجَانِين وَإمَّا بِأنكَ مَجنُونٌ بَينَ عُقلَاء..
فقال بَل أنا من يزف الحقيقة
عَارِيةً تماماً !!
كَانَ كَكُل الَأشيَاء الجَمِيلة لابدَّ لَها مِن نُقصَان إلّا أن نُقصَانَهُ يَكمُن باكتِمَالهِ أكثَر !
وَكُنتُ بَينَ يَديه كَمَن يَصفَعهُ المَوج وَالمُوت مَعاً، وَلَا يَمُوتُ وَيَحيَا !
كَانَ يُطلِقُ رَصَاصَ الرّحمَة عَلَى المهتَرئْ مِن قَنَاعَاتِي لِتَمُوت دُون شَهَادَتِين
ليغرِسَ زَهرةً بَائِسَة مَكَانَهَا .. كُنتُ كَالمقبَرَة وَمشفَى الوِلَادَة وكان الطبيبُ والحفّار !
غَاصَ فِي بَعضِي كَثِيراً حَتى خَشيت فَقدي ، كَانَ يَنبشُنِي تَارة وَيَئِدُنِي تَارةً أخرَى,,
بِرَشَاقَةِ القِطَط سَعَت عَقَارِبيْ فِي تِلكَ الليلَة ، بِلَدغِهَا مَاتَتِ السَاعَاتُ وَالدَقَائِق
والجُوعُ بازدِيَاد........
لَا أعلم أيْ صَاحِبِي أَكُنتُ مَن سَيُسَافِرُ عَنكَ غَداً ، أم كُنتَ أنتَ مَن قَد سَافَرَ بِي
أبدا ;
إلى ذَلِكَ الحِين أكتُبُكَ قِصّة أنتَ إِهدَاؤهَا، وَأعزفك حَرفَاً أنتَ وَتَرُه
العَالَم يَحتَاجُ إليكْ...وَحُبي وَتَقدِيرِيْ
فَــــوَّازْ