دقت مثل الهباء،
فكانت طيفا شقيا،
لو وصفتها لكان الوصف يخونني،
ولو قلت عنها قولا،
لكنت به من الكاذبين،
تنفتر عنها الأفواه بسمة، وتلوكها الألسن كلمة، وتنكشر عنها الأنياب غضبة،
لاهثة، عابثة، راقصة في ملهى الألوان،
زاهية، صفية،
سوادها، تشرق منه بسمة،
تنوح في عمق فؤادي، تبحث عن طين مسلوب في مطرح الأحلام،
لم تهبها الأمنيات إلا شوقا مترنحا، يتمايل ألما على أوتار روح مركبة، تمتزج فيها السحب والإصباحات،
سماء من الإشراق، وأرض من رياحين الأمل،
لم ألهم في رحابها فيضا من روح، وسيبا من عقل،
لم تحدثني بلاعجها، بل أوحت إلي بصخبها،
قلب يحترق لاهبا في شموع الوعد المبروم،
فيتعثر الورد مختالا في عراك الآمال.
ثم ترميني بلحظها فأخال المرجو قد بدا وليدا،
فيكبر بين عيني تنهيدا وأسفا،
وتضيع مرات وكرات ذرات اللغة، بين سبحات الظلام،
فيحنوا الفكر علي بأمل جديد،
ويعقبني المطر البليل بالدفء،
فأقول: لعلها ساعات، وتنتهي، وتموت الأفكار،
فأرقبها بين صفوف المطارح،
سوادا ملء العين، فلا أجد لها من هبة،
فتفترني مكرا بنظراتها المبتسمة، وتغيب بين السطور، فأرقبها عند عتبة الحافلات،
فأقول: هذه جراجي اللعينة، تأبت أن تضام،
هذه أحلامي، تعنتت أمام العناد،
لا تستسلم، وإن منحوك الفضاء كله،
لا تبع حظا كان بالأمس أملا،
فالعود غض باليقين المتنكر،
دمدمت كلمات في خصام الحروف،
وقفتْ كالشهد المنزوع عسله، ترمق صفائح الوجود،
فتعاندني اللغة العصية، برموش أخالها ترسل سيلا من الأشعار،
فيختبئ الأمل بين ظلال الأوهام،
فأهرب إلى الأمل المعزول، عن الحياة، عن النظرات،
فأتخيلها حضنا، أجثوا بين يديه برجائي،
أقبله بصدق الرجاء،
فتنتهي وقفات الذل، بآيات الأمل،
وأبقى حائرا بين ذات متقطعة بين الطيف، واللون،
بين اللغة، والحروف،
بين الأمل، واليأس،
زمن من مفاهيم الكلمات، تعتورني بخيال حائر مهووس قائم بالحروف،
تستحيل مع الزمن صوتا بحوحا من الذات،
لغة متهرئة من صراخ الأفكار،
تحكي فصولا طرزتها التجربة خيوطا من رماد،
تعنون للزمن، وللغة، وللفكر، وللأمل،
فتهرب مني كلمات كل يوم، كما فرت آلاف الساعات، بل بلايين الآمال،
أسألها بإحساس صار معدوما مع الفقد، فتجيب بالنكران.
فالأمل تيمة من تيمات مشردة بين الزمن المفصول من ذاكرتي،
بين زمن قضيته سهرا في رحاب السمر، بين عيون مسهدات في عناوين مغيبة،
وتنتهي مأساتي حين تبتدأ أخواتها.