تعبت النفس في هذا المضمار ورغم أنه يجب أن يكون هناك إضبارات حتى تشفي الصدي هنا، إلا أنه مرحلة بعد القطع في بداية المسألة..
قد يكون لضعف قراءتي لم أطلع على ما يروي عطشي في مثل ذلك الأمر،
ولكن أرجو من اللـه أن تكون هناك فائدة كبرى لي لي ولغيري هنا في الواحة القريبة الكريمة..
فقط أريد أن أطرح وجهة نظر هنا في علاقة النحو العربي بالنصوص الإبداعية، أو بالعملية الإبداعية كلها..
نجد هناك لفظة الضرورة الشعرية واستخدامها، والتي أدت ببعض النحويين أن يقولوا بالقاعدة وحدودها، ولكنهم يجوزون للشاعر أن يخالفها أو يكسر هذه القاعدة بسبب أنه في حالة إبداع.. وأطرح وجهة نظر بسيطة ألا وهي ما معنى القاعدة النحوية؟
أو بالتحديد معنى كلمة "القاعدة" وهل كان تحديدها لأجل رواية سمعت ولم يبررها الراوي، فكان هذا هو السبب الذي جوّز اختراقها للشاعر، مع أنه في إمكانه أن يأتي بتركيب آخر..
فهل السبب هو الوزن؟
أم حالة الإبداع؟
وإن كان للوزن فأسأل ما القيمة الجمالية أو النفعية التي جُعلت لها قواعد اللغة؟
وهل يعوضها الوزن مع أنه لم يكتشف معنى معين للوزن .. حتى الآن.. أقصد معنى كاملا التميز والحدود..
وهل كان أولى بالشاعر الذي يوصف نصه برفعة وفنية وأحسنية عن نصوص النثر أن يلتزم بالقاعدة.؟
قال إن ابن مالك فرق هناك بين ظروف الإبداع والكلام العادي، فابن مالك استشهد على جواز عدم الربط بالبيت:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
وهذا الشاهد حاولت أن أقدم له نظرة إعرابية بأن يكون الجملة خبراً، وهذا يبعدنا عن اختراق القاعدة التي أكد ابن مالك في بيته:
اسمية طلبية وبجامد بما وقد وبلن وبالتسويف
ولكن هناك الكثير من أساتذة النحو العربي والذين لهم باع كبير في الإبداع الطيب الثريّ البيت يجعلون ذلك الخلاف في حيازة علاقة الإبداع وقواعد النحو..
أنا لا أجزم بخطأ النظرة الشرطية، ولا أجزم بصحتها وأنا هنا أطرح فقط وجهة نظر أرجو أن يناقشها أمامي كبار المنتدى من أهل اللغة..
ومثل آخر يا أيها الكرام..
قضية التسكين في الحشو.. وأحقيتها أن تكون من وجهة نظر تفسيرية منطقية فمثلا: لو قلنا "((إذا رحلت فمن حزنْ يكون لنا؟!))، وهنا حدث تسكين في الحشو ولكنه صعب أن يمر على مبتدئ في ممارسة اللغة ناهيك عن شاعر كبير.. أما تسكين حروف العلة فمن السهل جدا أن لا ينتبه إلى منتبهٍ حتى في حالة شاعر كبير، ولكني استغربت حين اطلعت على كثير من إعرابات كبار النحويين في أبيات وقع فيها تسكين حروف العلة كأواخر لكلمات وقعت في الحشو.. إنهم يقولون :
فكثيرا ما نقرأ فيكتب النحو كلمة "نقلا عن" وهذا يكون كل ما في القاعدة من تفسير وتبرير..
نعم نحن نثق في ذائقة الكبار، ولكنا كنا نحتاج إلى موازنة وتفسير ما لكي نتعلم فقط، لا أقول لكي نناقش، ولكن لنقتنع..
ويحضرني جملة قرأتها في أحد الكتب التي مارست تلك العملية بشأن هذه المسألة وهي تسكين الحرف في الحشو
((ونقل البغدادي عن الدماميني : في خزانة الأدب أن هذا مقبول في غير الشعر أيضا فقال:
"وعلى تقدير النصب فالفتحة مقدرة كما في قوله:
أبى الله أن أسمو بأم ولا أب))
وماذا على القارئ البسيط في النحو أن يفعل..
أن يقول صدق البغدادي وصدق الدماميني، ولكن بأي منطق؟ هل لأن شاعر كبير ارتكبها ذات يوم؟
طيب الفرزدق ارتكب أخطاء نحوية في شعره، ولكن هناك من قال له: "لا"..
فما المعيار هنا؟
هل هو الوزن؟
أم الشاعر؟ أقصد شهرة الشاعر؟ وقدمه؟
من زاويتين:
- الأولى: سكنت النون هنا في كلمة "وطن" وهي قد تسكن في العروض أو الضرب على لغة ربيعة، ولكن في الحشو كالذي وقع هنا الآن هل ترضاه طبيعة التركيب في جملة حتى ولو استخدمها شاعر قديم؟
في "وطن" سكنت النون، والدماميني والبغدادي نقلا أحقية تسكين حروف أخر في الحشو وراحوا يقدرون الحركة..
- والزاوية الثانية: هي أنه من أبسط حقوق الكلمة وقت التركيب أن تعطى حقها في الإعراب وهو حركة التشكيل. فما الفارق بينها وبين كلمة دون جملة وحدها؟
تكرارا:
من ناحية أقوال العلماء فما وجدت إلا انهم راحوا يبحثون عن مبرر للوضع الذي جاءت به الأبيات من شعراء كالذي ذُكرت أسماؤهم..
ولكن معنى التركيب أن لا تسكين في الحشو ولكن هناك من شعرائنا الكبار من فعل هذا ..
وما جاء على لسان شيخنا البغدادي إنما كان تبريرا لوضع وجد عند شاعر فصيح.. وإن كان الفرزدق فعلها فقد أصلح له أهل النحو بعضا من شعره الذي
خالف فيه بعض القواعد وإن لم تحضرني الذاكرة في ذكر مواضع خطئه، فهل أخذ النحوي الذي انتقده وقتها خطأه تأسيساً لقاعدة جديدة في الجواز..
أوليس من الممكن في الفرق بين ((الواو والياء) وبين ((النون)) أن السهو بتسكين النون لا يمكن أبدا لمبتدئ في الشعر ..
أما السهو بتسكين الواو أو الياء فمن الممكن جدا حتى ولو لمحترف لغة..
فهل قال الشاعر القديم نفسه إنه قصدها؟؟
هل يمكننا أن نقول إن مثل ذا التخريج لشيخنا البغدادي لتسكين حرفي العلة هذين مثل بعض من تخريجات الزمخشري في التقدير والتي كان يرفضها كبار من أهل أهل النحو واللغة، أقول بعضها وليس كلها..
أنا لا أرفض قول العلماء ممن ذكرت ولا أرفض منطق الشعراء أيضاً ولكني فقط احتاج إلى أن أفهم ما هي الضرورة الشعرية وما هي القاعدة النحوية وما وجوب القاعدة أن تكون أمرا تزمتيا فقط ليس له هدف حتى نرى أن يتخلى الشاعر عن فائدة تطبيق القاعدة مقابل الوزن أو الحالة الإبداعية حتى في ظل الوضع الحالي للكتابة ذلك الوضع الذي ليس ارتجالياً، ولكنه على الورقة حوار بين الورقة والشاعر والورقة تصبر ولو لأسابيع فليس قوم يستمعون إلى الشاعر وهو يجب عليه أن يرتجل قصيدة مطولة في لحظتها فيمكن السماح له بكسر نبرره له بما يسمى "الضرورة".. أو نخرجه له كما فعل البغدادي.. أو نسامحه فيه كما تفهم ابن مالك ونقول هي حالة إبداع..
من زاوية الاقتناع بمدى منطقية القاعدة أنا أدخل للنص وإحساسي بلزوم اتباع القاعدة أو عدم اتباعها..
هل كان النحاة ذوي حكم صحيح ومنطق سليم حين يقولون عن كلمة في تركيب من تراكيب "الحديث الشريف" أو بعض الشواهد التراثية بأن يقول النحاة هذه الجملة الغريبة: "وهذا سماعي فقط ولا يقاس عليه"
يسعدني أن أسمع سيبويه وهو يشرح فهمه للجملة ومن ثم حكمه في إعراب هذه الكلمة أو تلك..
حين يقول الشاعر القديم نقول ضرورة، وحين يقول الحديث الشريف نجد من يقول: سماعي وليس قياسيا..
وحين نسأل لماذا؟
يأتي من يقول لأن النحوي فلانا قال كذا نقلا عن فلان..
من آخر تساؤلاتي كيف نحاسب النحو، أم هو فقط الذي يحاسبنا إن رفضنا المنطق؟
وما هو المعيار الشافي في المحاسبة ورد الحقوق إلى أهلها، وكشف الكربة عن المظلوم؟
وألقي سؤالا جريئا جداً- وليعذرني فيه أساتذتي- ولكنه يحيرني للغاية:
هل من أرسى قواعد النحو ناس مثلنا، وإن كان الجواب أنه لا علم بهذا فكيف نستخدم القطعية في الصواب والخطأ بكلمة "نقلا عن" بعيدا عن المنطق؟