قطع لحم
كن في أوج نشوتهن في سهرة ماجنة ، حيث دارت الكؤوس والرؤوس ، وبدأ ليل الغواني يلهث خلف جدران الجناح الخاص ، الذي صخب بالموسيقى ، وتعالت فيه الضحكات ، واستبيحت فيه كل الحرمات ، حين داهمه رجال الأمن ، فثار شغب وهرج ومرج ، ليُمْسَك بالبعض ، و يفر البعض ، بحثا عن مخارج هربا ، مجتازين أي طريق في دهاليز الفندق ، لعله يوصل لباب الفرار .. هرع البعض إلى بوابةِ المطبخ الخلفية . كلُّ شيء مضَى بسُرعة ، امتدت يدٌ في عتمة الليل لتمسكَ بها وتشدَّها عنوة إلى تلك السيارة الكبيرة .
انزوتْ في ركنٍ تكورت فيه على نفسها ، الدموع تنهمر من عينيها ، غيمةٌ كثيفةٌ من الدُّخَّان انتشرَتْ في الزنزانة من لفافات التبغ المحترقة ، لمْ تكنْ تشعر بكلّ ما حولها وهنَّ يضحكنَ ويتغامزْنَ ، شبه عارياتٍ متبرجاتٍ ، حديثهن خادش للحياء ، وضحكاتهنَّ رّنّانة تنمُّ عن ميوعة ، وحركات خليعة ....
ارتجَفتْ حين لامستْ كتفَها يدُ إحداهُنّ على حين غِرّة ، انتفضت بهلع ، نظرت إليها بعينيْن قد تجمّدتا في حدقتيْهما ، لم تُمَيِّز الوجهَ الذي اصطدمتْ به نظراتُها المجللة بالدّموع ، التصقتْ بالحائط تذود عن نفسها تلك اليدَ الممتدّّة ، تراجعت اليدُ حين رأت الذعرَ في ملامحِها ، نظرتْ إلى الوجهِ المزروعِ بالبؤس والألم ، حاولت أنْ تقتربَ مرةً أخرى ، إلاَّ أنَّ الجسدَ المتكوّرَ زادَ انكماشاً ، فتركتها ....
تسللتْ غفوة إلى عينيْها المحمرّتيْن ، اللتيْن أجْهَدَهُما البكاءُ ، كانتْ تضُمُّ أبناءَها إلى صدرِها بقوّة ، تتشبَّث بهمْ ، حتى لا يُنْتَزعوا منها ، وما كاد الجسدُ المشدودُ يتراخَى ، دار مفتاحٌ يئز في البوابة الحديدية ، لتنفرج عن وجهٍ رسمَتْهُ القسوةُ ببراعة ، وصوتٍ أجشّ لامرأةٍ اشتكت الأرضُ من ثقلِ جسدها وهو يدبّ الخطى فوقها ، انتصبتْ ، وهي تدور بعينِها في المكان ....
كان الفندق آخر مطاف سعيها لتطرق بابه ، علها تحظى بعمل يقيها مذلة السؤال والجوع ، أعياها التعب وهي تبحث عن عمل لتعول أطفالا كان اليتم قد خط أولى الجراح على ملامحهم ..
ولكنها خرجت من هناك كما دخلت ، وكان النهار قد ولى وبعض من هزيع الليل .
تجمعت القطط تلتهم قطع لحم مما تبقى من موائد المترفين ، من مكب النفايات القابع عن بوابة المطبخ ، اتجهت تهرول نحوها ، علها تفوز بشيء من هذه البقايا ، لتلك الأفواه الجائعة المنتظرة عودتها ، كانت تنازع القطط قطع اللحم حين أمسك بها أحد رجال قوة الأمن .
بثبوت براءتها ، تم الإفراج عنها ، لتبدأ في منازعة جديدة .. ليس مع القطط على قطع لحم ، بل مع دور الرعاية حيث تشتت لحمها في فترة غيابها .