- الإستشراف:- هو دراسات أكاديمية للإسلام والمسلمين يقوم بها غربيون- من أهل الكتاب بوجه خاص- في شتى المجالات "عقيدة وشريعة ولغة وثقافة وحضارة وتاريخ وثروات وإمكانيات.."
- وقيل في الهدف من هذه الدراسات أنها لتشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين فيه وتضليلهم عنه وفرض التبعية للغرب عليهم ومحاولة تبريرها بدراسات ونظريات علمية تدعى الموضوعية وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب على الشرق عموماً .
وقد بدأ الاستشراق رسمياً بعد فشل الحملات الصليبية والزحف الإسلامي علي أوروبا مما جعلهم يهتمون بكل ما يمت للعرب والمسلمين بصلة .. وظهر ذلك جلياً بعد التوسع الإسلامي في عهد العثمانيين بفتح القسطنطينية إلى مشارف أوروبا الغربية وحصار فيينا في القرن الخامس عشر.. وكان اقتراح المستشرق "ريموند لول" بتعلم اللغة العربية أول الطريق لدراسة الإسلام، ومن ثم تأسست الكراسي في الجامعات الأوربية لدراسة العربية والإسلام بوجه خاص.. وقد تأسست كذلك جمعيات إستشراقية كالجمعية الأسيوية البريطانية والأخرى الفرنسية والجمعية الشرقية الأمريكية ومعهد الشرق الأوسط بواشنطن ورابطة الدراسات الشرق أوسطية .. وغيرها من الجمعيات التى أنشئت خصيصاً لتفريخ المستشرقين.. وكان من نتيجة جهودهم المبذولة على مدى قرون عدة نجاحهم في زرع التشكيك في العقيدة الإسلامية والعلوم العربية عند فئة مسلمة لم تدرس الإسلام جيداً ولم تتعرف عن قرب على أسمى تعاليمه، فبدأت تلك الفئة تنادى الشرق الإسلامي بإتباع الغرب والنهل من موردهم.. وتناسوا أن العلوم العربية كانت وما زالت هي المعين الأول في ازدهار حضارتهم وذلك باعتراف بعضهم .. كما يقول جوستاف لوبون الفرنسي: " إن العرب هم الذين فتحوا لأوروبا ما كانت تجهله من عالم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية بتأثيرهم الثقافي، فكانوا ممدنين لنا وأئمة لنا ستة قرون ".
- كما بدأت الدراسات الإستشراقية بترجمة القرآن الكريم لأنه يحوى العقيدة والشريعة والآداب الإسلامية .. وكانت أول ترجمة للقرآن باللاتينية قام بها الإنجليزي" روبرت كيتون" بمعاونة الألماني "هرمان" عام 1143م وقد أعيد طبعها بعد 400 عام في أوروبا سنة 1523م وخرجت منها ترجمة إنجليزية قام بها الاسكتلندي " اسكندر روس" في القرن السابع عشر سنة 1649م .. ثم خرجت أشهر ترجمة للقرآن في القرن الثامن عشر سنة 1734م على يد المستشرق " جورج سيل " وأطلق عليها اسم " قرآن محمد " وقد انتقد الترجمات السابقة للقرآن بقوله في مقدمة ترجمته : " إنها لا تستحق أن تسمى ترجمة لما فيها من أخطاء لا تحصى وحذف وإضافة وبعد عن النص حتى انتفت المشابهة " . وكانت هذه الترجمة من الأسباب التى ساعدت في انتشار الإسلام في أوروبا ، برغم أنها وضعت أصلاً للطعن في الإسلام وقد جمعت أقوالاً باطلة مكذوبة لا تحصى، أهمها ما قرره في مقدمته من أن القرآن ليس وحياً وليس معجزاً وأنه يحتوى على التكرار والتناقض وأن أكثره مستمد من اليهودية ليس في موضوعاته فحسب بل وكذلك فى تقسيمه إلى أجزاء وأحزاب وسور وآيات .. ولذلك حظيت هذه الترجمة بإعجاب الكثير من المستشرقين والمنصرين المعادين للإسلام والمسلمين.
وكما اهتم المستشرقون بالقرآن اهتموا كذلك بالأحاديث النبوية فحققوا الكثير من الكتب الإسلامية المعنية بالأحاديث والسيرة.. وقامت مجموعة من المستشرقين بجمع معجم مفهرس للأحاديث النبوية طبع في ليدن ومن ثم توالت الدراسات الإستشراقية، وكان أهمها تأثيراً في المجتمع الأوروبي:
كتاب - محمد النبي – لمؤلفه المستشرق جوستاف فيل عام 1843.
كتاب- حياة محمد وتعاليمه - للمستشرق أليوس شبرنجر عام 1861.
كتاب- تاريخ القرآن - للمستشرق تيودور نولدكه عام 1909.
كتاب- محمد وظهور الإسلام - للمستشرق صمؤيل مرجليوث عام 1905.
كتاب- حياة محمد - للمستشرق وليام موير عام 1858.
كتاب- تاريخ الإسلام - لمجموعة من المستشرقين بجامعة كامبردج عام 1907.
كتاب- المحمدية - للمستشرق جب عام 1947.
كتاب- محمد النبي ورجل الدولة - للمستشرق مونتجمرى وات عام 1964...
إلى سلسلة طويلة من الكتابات الإستشراقية كلها تدندن حول وصف النبي بصفات كاذبة
الهدف منها بيات أن القرآن كلام محمد وأنه هو مخترع الدين الإسلامي.
وأصبحت هذه الكتب وما شاكلها صورة كاذبة عن الإسلام في المجتمع الغربي..
والحمد لله أن قيض علماء ومفكري الإسلام للرد عليهم وفضح شبهاتهم .
وأما عن ارتباط الاستشراق بالاستعمار واحتلال الدول العربية والإسلامية ، فقد ظهر ذلك جلياً في احتلال الجزائر .. عندما مهدت فرنسا لاحتلالها سنة 1830 بفترة دراسات بقيت نحو عشرون عاماً تحولت فيها من مجرد دراسة حفريات وآثار إلى دراسة عقلانية منظمة ومن ثم تطورت فكرة علماء حملة نابليون على مصر إلى مستشرقين لدراسة العالم الإسلامي .. فقامت دراسات حول الشعوب والمقدرات ، وكان من طليعة المستشرقين "سلفستر دي ساسى" الفرنسي و" إدوارد لين" الذي ألف كتاباً عن عادات الشعب المصري ومقدراته وخيراته مما مهد للإستعمار البريطاني لمصر والفرنسي للجزائر كما كان للمستشرق الهولندي الأصل "سنوك هروجينيه" الفضل الأكبر في احتلال إندونيسيا ومحو الهوية الإسلامية فيها ولو إلى حين .. وكان من أهداف هذا الاحتلال أو الإستعمار المزعوم ، ليس فقط الطمع في الثروات المادية والهيمنة على البقعة الإسلامية .. وإنما امتد إلى الثروة العلمية والحضارية المتمثلة في التراث الإسلامي والمخطوطات والوثائق والكتب والمراجع النادرة التى نقلها المستشرقون إلى لندن وباريس وجامعات أوروبا .. وقد استفاد المستشرقون من هذه الثروات لاسيما في علوم الطبيعة والجغرافيا والفلك والبصريات والطب.. وكذلك المخطوطات في الدراسات المقارنة للغات والأديان خلال القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين .
ـ وفى رأيي أن ثقافة المستشرقين وتدخلهم في نقد التراث الإسلامي وإظهارهم خدمته -بنشرهم لمخطوطات كانت في غياهب الظلمات- يعود إلى هذه السرقة..
فكان من أثر هذا الإستعمار استحواذ المستشرقين على كثير من المراجع الإسلامية في شتى المعارف بما قدم لهم الإستعمار من فرض القوة والبطش والتحكم في الدولة بما فيها من تراث أدبي وفكري، وتحول أكثر هذا التراث إلى جامعات أوروبا تحت يد المستشرقين يعبثون به كيف شاؤا ، ثم خرجت بعد ذلك دراسات قام بها المستشرقون أمثال : (وليام جونز – سلفستر دى ساسي – فرانز بوب – جاكوب – جريم – نولدكه – بروكلمان – جولد تسيهر ـ صمويل زويمر ـ فنسنك ـ ريلاند ـ مونتجمرى وات.. وغيرهم ) .. من دراسات عن الحديث وأخرى عن القرآن والقراءات والتاريخ والفقه..الخ
والمراجع الإسلامية التى خرجت بتحقيق المستشرقين كثيرة لا تحصى ويحسن بنا أن نبين
سمات التحقيق الإستشراقى للتراث في نقاط سريعة:
1ـ الأعمال الموسوعية كترجمة القرآن ومعجم الحديث كان هدفها تيسير العلوم الإسلامية وكشفها أمام الباحثين الغربيين وليس خدمة للدين الإسلامي، فهي من باب اعرف عدوك.
2 ـ اعتماد دراساتهم على النصوص المشوهة والمنحرفة كالتصوف المخزي والأدب الماجن والانحراف العقائدي والتعصب المذهبي والتي لا تمت إلى صحيح الإسلام بصلة.
3 ـ العبث بالنصوص وإن لم يكن بالزيادة والنقصان فبالتفسير الخاطيء والذي يتماشى مع مرادهم وأهدافهم .. والأمثلة كثيرة لا تحصى.
4 ـ صياغة هذه التحقيقات أو الدراسات بأسلوب علمي منظم يحسدون عليه، وهو ما جعل شريحة كبيرة من المثقفين يخدعون بأسلوبهم وطريقتهم ومن ثم وقعوا في شراكهم .
5 ـ كثيراً ما ينقمون على المستشرقين القدامى ويخطئونهم على تشددهم ضد الإسلام فيظهرون على أنهم منصفين غايتهم الحق والعلم بالإضافة إلى بعض الثناء على تاريخ العرب وأمجادهم وحضارتهم .. وعندئذ تسنح لهم الفرصة ليضعوا السم في العسل.
وبعد .. فهذه بعض السمات التى تلاحظ بالاستقراء ..
والذي يعرف هؤلاء الناس عن قرب من خلال كتبهم ودراساتهم يعلم يقيناً إبطال دعوى
" إنصاف المستشرقين " وأنها أقيمت في عصر التبعية الفكرية العمياء والتي أشار إليها النبي المؤيد بالوحي عندما قال : " لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع... حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " هذا وبالله التوفيق ..