الأغنية الإسلامية الجديدةبقلم / د. مصطفى عطية جمعة
قاص وروائي وناقد أدبي - الكويت
إن المتتبع للساحة الغنائية في السنوات العشر الأخيرة ، يلاحظ حجم الابتذال الذي أصاب الأغنية ، فقد صارت عبارة عن : لحن موسيقي سريع الإيقاع ، كلمات تتغزل في المفاتن الجسدية للمرأة ، صوت المطرب محسَّن بفعل تقنيات الصوت الحديثة ، ثم مجموعة من الراقصات شبه العاريات يشكلن خلفية للمطرب . هذا الوضع المزري لم يستتبعه أية إجراءات صارمة للحد منه من جانب الحكومات العربية ، فنظريتها : أهلاً بكل ما يشغل الشباب عن السياسة وأهل الحكم .
ولكن الكثيرين تناسوا أن هناك قاعدة شعبية من الشباب والأسر الملتزمة دينيًا وهي من ثمار الصحوة الإسلامية المباركة ، هذه القاعدة استتبعها نشوء ظاهرة غنائية تعبر عنها، وعن توجهاتها الإسلامية ، وقد تجلت هذه الظاهرة في عدة أشكال :
أولها : ظهور الأنشودة الإسلامية والمنشدين الإسلاميين الذين اعتمدوا الإنشاد بإيقاع أو بدون إيقاع ، كما هو الحال في فرق الإنشاد في الأردن ومصر واليمن ، ومن أبرز منشديهم : نزار أبو الفدا ، موسى مصطفى ، وغيرهما . ولعل أبرز ما يميز هؤلاء أنهم نابعون من صفوف الحركة الإسلامية ، يحملون تصوراتها ورؤاها ، وبنظرة إجمالية لإنتاجهم نلاحظ أن أناشيدهم قد دارت حول محاور عديدة أبرزها : التعبير عن قضايا المسلمين مثل فلسطين وكشمير والبوسنة ولبنان ، الافتخار ببطولات المسلمين ومعاركهم قديمًا وحديثًا، أناشيد خفيفة للأعراس الإسلامية ، أناشيد خاصة للمرأة المسلمة ، وأناشيد للأطفال .
وإذا كانت بعض الفضائيات الإسلامية تبث أناشيدهم ، ولكن تبقى مشكلة الانتشار الواسع أمامهم بين الناس ، وهذا يستلزم الكثير من الجهد والدعم .
ثانيها : تسابق الكثير من المغنين إلى طرح ألبومات ذات طابع ديني مصحوبة بالموسيقى ، مثلما فعل "محمد منير " في ألبومه " مدد يا رسول الله " ، والذي استوحى ألحانه من التراث الصوفي الغنائي ، ووضعت كلماته الشاعرة كوثر هيكل . كما قدّم المطرب " محمد فؤاد " بعض الأغاني الدينية التي حققت انتشارًا كبيرًا مثل أغنية " آمين .. آمين يا رب العالمين " ، وقدّم المطرب هشام عباس مجموعة من الأدعية والابتهالات الدينية صحيح أن هؤلاء حققوا انتشارًا كبيرًا بين الناس ، نظرًا لشهرتهم من جهة ، ولأن شركات إنتاج ضخمة تساندهم ، وتروّج لشرائطهم ، كما أن هؤلاء يخلطون أغانيهم الدينية ، بأغانيهم العاطفية الراقصة مما يفقدها الصدق ، وهم – أيضًا – لا ينطلقون من رؤية إسلامية ذاتية ، بقدر ما يجارون الساحة التي تزايد فيها الملتزمون دينيًا .
ثالثها : ظهور مغنين إسلاميين جدد جمعوا بين التصور الإسلامي الصحيح النابع من التزامهم الشخصي ، وبين التقنيات الموسيقية والصوتية الجديدة ، ودعّمتهم شركات إنتاج ضخمة ، مما حقق لهم الانتشار الكبير بين الناس ، ومن هؤلاء : إيمان البحر درويش ، خالد علي وغيرهما.
ويأتي المطرب " سامي يوسف " الإنجليزي الجنسية ( أصله من أذربيجان إحدى الجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا ) في مقدمة هؤلاء ، حيث استطاع هذا المطرب أن ينال شهرة واسعة، تأتت من : جمال صوته وقوته وتميزه ، ودراسته الأكاديمية المعمقة للموسيقى في أعرق كليات إنجلترا ؛ وهذه أعطته القدرة على العزف على البيانو على طريقة حفلات الموسيقى الكلاسيك، وأيضًا يقوم بتلحين الكثير من أغانيه ، أو إعادة إخراج ألحان دينية قديمة ، بجانب التزامه الديني على المستوى الشخصي وتبنيه الكثير من رؤى وتصورات الحركة الإسلامية المعاصرة ، بالإضافة إلى تبني شركات عالمية لإنتاج يوسف الفني ودعمه بشكل واسع ، من خلال إنتاج عدة كليبات مصورة لأغنياته الشهيرة ، مثل : أغنية " أمي " ، وأغنية " حسب ربي جلّ الله ، الله الله " ، وأغنية "المعلم" والمعلوم أن أغنية الفيديو كليب تتكلف في المتوسط حوالي أربعين ألف دولار ، وبالنظر إلى كليبات سامي يوسف نرى أنها تصور في عدة دول إسلامية ، فمثلا أغنية "حسبي ربي " تم تصويرها في إنجلترا وتركيا وباكستان ومصر ، فقد أعدها بأربع لغات ، ولاشك أن التكلفة ستكون مرتفعة جدًا في هذه الحالة ، كما قاموا بإصدار شرائطه بشكل واسع على شرائط كاسيت وأقراص مدمجة ، أضف إلى ذلك حملة دعائية واسعة واكبت إصدارات سامي يوسف في الإعلام الغربي والعربي ، مما حقق له تواجدًا راسخًا ، بالرغم من صغر سنه ( 25 سنة ) ، والجميل في الأمر ، أنه استطاع أن يغزو النخبة العربية والإسلامية في الدول العربية ، حيث أقيمت حفلاته في أرقى المنتديات الغنائية مثل مسرح مكتبة الأسكندرية الدولية ، والمسرح الكبير بدار الأوبرا بالقاهرة ، وهي أماكن حفلات الموسيقى الكلاسيكية ومغنيي الأوبرا والسيمفونيات ، ويرتادها جمهور واسع من الشباب المحب لروائع الموسيقى والعزف الراقي ، وهؤلاء الشباب في مجموعهم خريجو المدارس والجامعات الأجنبية في مصر ، مما أتاح لهم التلقي السهل لأغاني سامي يوسف المقدمة باللغة الإنجليزية . ناهيك عن تلقي الجمهور الواسع له عبر الفضائيات ، وقد أشارت بعض استطلاعات الرأي في مجلات عربية إلى أن الفتيات ينظرن إلى سامي يوسف باعتباره نموذجًا لفتى الأحلام لأنه : وسامة ، هدوء ، التزام ديني ، رقي فني .
وبالنظر إلى مضمون أغاني سامي يوسف ، كما هو باد في الشريطين اللذين أصدرهما حتى الآن ، نلاحظ أنه يرتكز على تدعيم القيم الإسلامية العظيمة مثل : احترام الأم "أغنية أمي "، التوكل على الله والتسليم المطلق له كما في أغنية " حسبي ربي " ، التغني بفضل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهذا كثير كما في أغنية " المعلم " ، وأغان قصيرة كثيرة ، وقد ذكر سامي يوسف في أحد حواراته أن أحد مستمعيه – غير المسلمين - قابله وقال له : إنني أحببت نبيك محمدًا ، عندما استمعت أغانيك التي تعبر عن عشقه للرسول العظيم ، بجانب إعادته غناء بعض الألحان العربية القديمة مثل أغنية " لا إله إلا الله، محمد رسول الله " المصرية .
وتكمن المشكلة حتى الآن في أن سامي يوسف لا يزال في مرحلة البداية ، ولا تزال اللغة العربية التي لم يتقنها بعد تشكل عائقًا أمامه ، ففرق بين أن يغني كلمات بلغة يتقنها ، وأن يغني كلمات يحفظها من ملقن يلقنها له ، كما أن أغانيه باللغة الإنجليزية تقف عائقًا أمام الانتشار الواسع بين جموع العرب والمسلمين الذين لا يفهمون اللغة الإنجليزية ، وفي نفس الوقت يحتاج " يوسف " إلى التنويع في مضامين أغانيه بحيث تشمل قضايا وهموم المسلمين في العالم ، والتغني بأمجاد وقيم حضارة الإسلام ، ونؤكد أن كل هذا لا يقلل مما حققه سامي يوسف من تواجد عظيم ، نتمنى المزيد من الترسيخ له مستقبلاً .