التناص من المنظور التشكيلي
تتمازج الثقافات وتتداخل التجارب, وتخضع المنجزات التشكيلية لعدد من العوامل المؤثرة عليها, وزادت هذه المؤثرات مع ما يشهده العالم من انفتاح معرفي وثقافي وبصري كان لوسائل الإعلام ووسائل الاتصال الدور الرئيس فيه, مما شكل ثقافة فنية معقدة, ومخزوناً بصرياً مرتفع ألقى بظلاله على منجزاتنا التشكيلية, فأصبح المنجز التشكيلي أكثر ارتباطا بما حوله من مؤثرات ومن ثقافات ومن نصوص بصرية أخرى, ويتراوح هذا الارتباط بين علاقة مشروعة من حق كل فنان التأثر بها بشكل مباشر وغير مباشر, مثل المحاكاة
و غير ذلك من علاقات غير مشروعة كالسرقات الفنية والأدبية …
وفي معرض حديثنا عن العلاقات المشروعة بين النصوص ومن خلال النظريات النقدية الحديثة ومنها (نظرية المرجعية والحوارية والتاريخية والميتانص ولعل أشهرها وأكثرها تداولاً في كتابات النقاد على مساحة واسعة من دائرة النقد العالمي: نظرية التناص فقد طرحت جوليا كرستيفا في منتصف الستينات من القرن الماضي نظريتها تلك, وحاول النقاد تحديد مفهوم لهذه النظرية"التناص" وفقاً لزاوية موجدتها الأولى كرستيفا ومن ذلك تحديدها بأنها: إحدى مميزات النص الأساسية التي تحيل إلى نصوص سابقة أو معاصرة لها) 1 ,وفي مفهوم آخر يأتي التناص( بمعنى التفاعل النصي الصريح مع نصوص بعينها واستحضارها استحضاراً واضحاً, وتضمينها في النص عن طريق آليات كثيرة ظاهرة, وأقل ظهوراً)2
ومن خلال معرفتنا لمفهوم التناص وتطبيقه على النصوص البصرية نرى أنه يمكن أن يظهر بنوعين وهما:
التناص الكلي/ وهو الذي يكون باستخدام الفنان نص بصري مشهور وتوظيفه ضمن سياق منجزه التشكيلي بآليات مختلفة, بما يخدم فكرته ويضيف إلى منجزه أبعادا أوسع ويشارك به في معالجته لقضية العمل, وظهرت هذه الصورة من التناص في العديد من الأعمال التشكيلية العالمية والعربية والمحلية, ومن أمثلة هذه الصورة من التناص استخدام الفنان / أيمن بسري نص بصري عالمي مشهور وهي اللوحة العالمية المونيليزا للفنان ليوناردو دافنشي, وتوظيفه لها بنجاح في إحدى منجزاته التشكيلية, وهذا يعكس نموذجاً واضحاً من صور التناص الكلي.
التناص الجزئي: وهي صورة أخرى من صور التناص البصري, و تكون بين نص بصري وبين أنساق نصوص بصرية سابقة أو معاصرة له, ويكون التأثر إما بأسلوبها أو أفكارها وقضاياها أو حتى بعناصرها, ولاياتي التناص الجزئي بالشكل الذي يأتي به التناص الكلي وإنما يأتي بشكل موارى ويظهر بآليات مختلفة,فمن إيحاءات دلالية إلى انعكاسات رمزيه وظهرت هذه الصورة من التناص في العديد من الأعمال العالمية والمحلية وبصور متباينة.
وكما يضيف بعض النقاد نوع آخر من التناص وهو (التناص التاريخي الذي يقوم على جس مرجعيات النص التاريخية المتمثلة في الآثار أو الميثولوجيا أو غير ذلك )1
ولكن عند النظر بإمعان أكثر في ماهية التناص التاريخي نرى أنه يأتي ضمنياً تحت التناص الجزئي, وإن تعددت آلياته واختلفت مرجعياته .
ومما سبق أتمنى أن تكون قد وضحت الأطر العامة للتناص بصوره , واتضحت صورة من صور النظريات النقدية الحديثة .
(جريدة المدينة - ملحق الأربعاء - 23/ربيع أول1425هـ )
فيصل خالد الخديدي
فنان تشكيلي
المشرف العام على جماعة تعاكظ التشكيلية
1-فاطمة البحراني ـ جريدة الفنون العدد37 يناير 2004 . 2ـ نهلة فيصل الأحمد ـ كتاب التفاعل النصي النظرية والمنهج