المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد ص
العزيزة نور...
النص يبعث في النفس الكثير من الشوق و الحرية... حرية الاتواصل, البقاء في عراء البعد, و لكنه لم يسمح لي البقاء طويلا في العراء.. فكل حرف منه ينقلني إلى عراء جديد.. و شوق أكبر, و الأهم إلى تقارب لا متناهي لوجود من أحب في ذهني.. حتى أني كدت المس يدها.. و أحس بنظراتها.
هناك الكثير من الجمل الذكية.. و الذكية جدا, حتى أني بتُ اسأل نفسي هل يمكن تلَمذة هذه الحروف لتصبح إنسان؟! فالكلمات مختارة بعناية, و الحروف بذكاء إنعكس في تراكيب أقل ما يُقال عنها بأنها ذات طابع خاص. و الطابع الخاص شيء لا يمكن تعلمه بسهولة, إن كان يمكن تعلمه أصلا. فكل كلمة و جملة تحمل في طياتها الكثير من الغزل, الحب, الشوق, الفراق, اللوعة, و الحرية... و فيها أيضا عذاب مُبهم و حزين.. عذاب أحب أن أعيشه, و حزن وددت لو أنه بداخلي, و جرأة لذيذة.. تدفع بالدم للجريان في النص كلما خمدت نار الشوق أو إنطفأ لهيب الغياب.
مع أنه يمكن إعتبار النص نثرية جميلة, مفعمة بالحياة, و ذات طابع خاص الا أنني لا أرى فيه نص ذكيا, و إن كان هناك الكثير من المفردات و التراكيب و أحيانا الجمل الذكية. فأنا أرى ذكاء النص إمتدادا وهميا لذكاء الكاتب و لكنه حقيقي كما الظل للجسد, آخذين بعين الاعتبار أنه يمكن تمرَس الكاتب أكثر و أكثر ليسمح بأشعة الصدق و الإبداع أن تخلق ظلا لذكاءه ينعكس في نصوصه, دون إنكار صعوبة ذلك على كثير من الكتاب.
فالنص الذكي برأيي: هو النص الذي لا يمكنك تركه أبدا, فكلما قرأت أوله أردت أن تصل إلى النهاية, و عندما تصل إلى النهاية لا يمكنك التوقف هناك, بل تسرع عائدا إلى أوله لتبدأ رحلتك من جديد, و ليس هذا فقط, بل لا بد من إنتقال سلسل و مترابط بين أجزاء النص, بحيث يسلم كل جزء من يليه دون توقف مفاجئ للمشاعر أو ضعف بالمفردات و التراكيب.
أجد كثير من الأجزاء الذكية, فقد كانت مترابطة بطريقة سحرية رائعة و لم أشعر بتوقف مفاجئ للمشاعر خلالها, و لكن عندما كنت أنتقل من جزء إلى أخر (من فقرة إلى أخرى) كنت أجد نفسي مشوش, فمعالم الأجزاء إما متلاشية أو واضحة جدا لدرجة الصدمة.
المفردات بشكل عام مختارة من الصفوة, و لكن أحيانا لا بد من وجود أناس عادين لأن صفوة الناس لا يناسبون و لا يتناسبون مع كل الأماكن و الأوقات و كذلك المفردات. و أيضا تكديس المفردات للتأكيد غير محبب... فتركيبة بسيطة أو مفردة منتقاة تبحر بالقارئ في بحور و بحور.. فلا تعوقه طول الجملة أوكثرة المفردات أو تكرار العطف.
لا بد أحيانا من الإعتماد على ذكاء القارئ, و عدم اللجوء إلى كشف كل أفخاخ النص.. لا بد من تركه يتصور, يفكر و يخمن... يعود و يقرأ من جديد.. فلا يمل. لا يجب حشر القارئ بقالب معين نتيجة الوضوح الزائد, و إن كان الوضوح مطلوب... و لكن بحدود, و كذلك الغموض (عدم الوضوح) مطلوب أيضا... و بحدود.
هناك أجزاء من النص بحاجة إلى نقاط و ليس إلى فواصل... فكثرة الفواصل لا تمنح القارئ وقتا للتفكير و الإستمتاع بالنص, كما أن الفواصل تبقي الكاتب في دوامة لا يستطيع الخروج منها إلا قفزا, مما يضعف النص و يقلل من ذكاءه. و هناك أجزاء من النص بحاجة إلى علامة الكلام الذي يقال و لا يكتب (...), مما يساعد القارئ على فهم أوضح, إعطاءه فرصة للتفكير فما قرأ و إعطاءه فرصة ليشارك الكاتب مشاعره.. و البوح بما يقال و لا يكتب.
نصك هذا أفضل من ناحية و هي: أنك لم تلجأي إلى التفسير بمعناه الحرفي كما لاحظت في نصوص أخرى لك, و لكنك أغفلتي تفسير من نوع أخر, التفسير المبطن. فهناك كلمات تبين مثلا مكان أثر الحدث, أو تبين نوعية الأشياء (كف عن قذف زجاج نفسي), مثل هذه المفردات تقلل من جرعة المشاعر التي يتوق اليها القارئ و يسعى إلى فهمها دون مساعدة.. ليشعر أنه حاضر بالنص و متواجد مع الكاتب..
أتمنى لك المزيد من التقدم و الإبداع... إستمري بالرسم بالحروف.
محبتي
أحمد صالح