زجاجة العطر وأشياء أخرى !!
تجتاحني مساحة من حزن الأزمنة العتيقة ...
وتغلفها حالات اشتياق تفصل بيننا فيها المسافة...
وجوهٌ يملأها سواد وحزن كما ليلة سرمدية ... وحالة من اللاوعي تستفز فينا كل شيئ .. كل شيئ.
أتمنى لو كنت حبراً أملؤه نفسي وأرسل به إليك ... كي يبقى بين يديك كما رغبة الاحتواء التي أريد .
هنا كل شيء يكاد يشعرني بالنعاس إلا أن رغبتي في النوم لا أكاد أستحضرها ..ربما لأنني أشعر بالحاجة إلى رؤياك قبل أن تغمض عيني أجفانها .
عربية أنا ولا أحمل من ملامحي إلا تلك الخريطة التي تشهد أني أحبك .. مرسوم على وجهي تقاسيم لا أكاد أخفيها عن عيونهم ولا عن أذهانهم .. فكلهم يدرك ماذا تعني هذه الخريطة بالنسبة لي ...
شيء ما يستوطن قلبي الصغير ... يحمّله إرادة فوق طاقته المهترئة والمقتطعة من عمر الزمن الذي يصر على الوقوف معي دائما برغم امكانياتي الفقيرة .
ربما أفتقد لزجاجة العطر التي أهديتني إياها وهي تحمل كل رائحتك ... أجل رائحتك كلها ... لم أكن أعلم أنها سوف تُكسربهذه السرعة ، فبالرغم من احتفاظي بها بعيداً عن المتناول إلا أنها كسرت ..أقسم لك أنها رغماً عن إرادتي كسرت ، لكن رائحتها لاتزال تلتصق بملابسي وآثارك لاتزال تلتصق بي كما تلتصق بي روحي .
أحتاج للكثير من الوقت كي أنسى تلك اللحظات التي قضيتها وأنا أعيش في تفاصيل الرواية التي قررنا أن نكتبها معا ، ولما وصلنا لمرحلة النضج وبدأت النهاية تأخذ وضعها ..ضاعت النسخة الوحيدة _ بل احترقت _ حينما سقط صاروخ على بيت الرواية ..وأذكر أنك قد تأثرت كثيرا .. ولكنني أخبرتك : أن ما حدث في الرواية يستدعي ان نكتب رواية أخرى وبنفسٍ أقوى .. لأننا قد ذقنا ألماً مشتركاً .
أذكر أني قد جمعت من خلف الحطام كوفية لك كنت لاتفارقها .. حتى إذا ماكانت ليلة المطر ، وضعت الرواية في الكوفية وأتيت بها إلىّ كي أراجعَ ما تبقى لديّ من أفكار ..كانت رغبتي في احتضان المطر أكثر من مراجعة الرواية .. فتركتها وكأنني أتركها لمصير الاحتراق كى أستمتع بفصل المطر ,لم أكن أعلم أنها النهــــــــاية ..
لاتقل لي انني لا أحتفظ بأشيائك ( زجاجة العطر _ الرواية _ الكوفية ) حتى رسائلك الخطية وورودك المجففة ، لكنك تعلم أنني أستطيع أن أحتفظ بحبك فقط ( حياً في قلبي) .
شوق شديد يجتاحني هذه الليلة .. يبدو أن أحشائي بدأت تتحرك بذلك الضيف القادم ، لازلت أذكر يوم ان تركتني ونحن لازلنا عروسين ... كان الوطن أكبر من كل شيئ ..كان الله أغلى من بقائك بجانبي .. أنا لن أتراجع عن دعمي لك ... لكنني أشتاقك وأخاف ان يأتي (عُمَر) إلى النور وهو لم ير أبيه ..
منذ يومين مر علىّ أسامة صديقك القديم ..وطلب مني أن أكتب لك رسالة خطية بيدي كى يحملها إليك ..فهو ذاهب إليك عما قريب ..
أمس تساقط المطر .. وشممت معه رائحة العطر التي كانت ترافقك ..أجل ياعلي ... كانت الشمس تختبئ في كومة من الغيوم .أشعر أنها سوف تظهر وتقترب قريبا ... شعرت أن الشمس لن تطيل غيابها .. فهي تعرف أن عمر ابننا يحتاج أن يراها .. كما كنت أنت .
أبي قرر أن يزرع جورية في حديقة منزلنا ، سأرسل لك في كل عيد وردة ، أحتفظ بها في صندوق الرسائل الخطية والورد المجفف.
الآن فقط أدركت قيمة الورد المجفف والرسائل الخطية و.. وزجاجة العطر .
الآن فقط .. أدركت قيمتك الحقيقية ياعلي .. أتيت متاخرةً إلى عالمك الوردي ..ولكن بعد ماذا ؟ بعد أن أطبق الليل على كل المساكن واشتاقت القبور لأهلها .. وضاعت أحلامنا ..وكانت النسخة الوحيدة من الرواية تحت الركام .. قصة تشبه الرماد .