التقيا ذات زمان والمكان مطار . خاض كل منهما رحلة من العناء والإحباط ، وأتى لهذا المكان حاملا عذابات عمره ما مضى منه ، وهواجس أحلامه ما قد يراوده منها .
حدثها عن خيبات متكررة منها ما يتعلق بالحياة ومنها ما يتعلق باختيار رفيقة لتلك الحياة .قال لها إن آماله كانت متوقفة على ضرورة أن تحمل له الحبيبة المفترضة حبا يختلف وصفه عن العبارات المألوفة التي تجعله حبا يفوق البحر سعة ، والسماء بعدا ، والأرض حجما .
ابتسمت المرأة وقالت إنها رفضت الكثير ممن تقدمواإليها واضعين قلوبهم على أكفهم ، فلم تكن لتقتنع بحب يلتمع كالذهب ، ولا ترضيها مشاعر جارفة كالسيل ، فمثل هذا لا يشعرها بالأمان . وها هي حتى اللحظة لاتزال تحكم الرتاج حول ذلك القابع بين ضلوعها ، تضن به على كل من تضعه الحياة في طريقها .
في اللحظة التي فكر أحدهما أو كلاهما بسؤال الآخر عن اسمه ، انطلق الصوت مناديا على الرحلة المتوجهة إلى مكان ما ، ثم مباشرة الرحلة المتوجهة إلى مكان ما آخر ، فتوجه كل منهما إلى البوابة التي ستأخذه إلى مكان ما في هذا الكون الفسيح .
مرّ زمن . التقيا دون موعد فوق ربوة حرجية تفوح منها روائح الصنوبر والبلوط واللزاب. كان كل منهما ضمن مجموعة من الأصدقاء والوقت خريف .أتى الجميع في محاولة لاقتناص ما أمكن من خيوط الدفء التي تستعد للرحيل ، مفسحة الوقت والمكان لفصل استحمام الطبيعة بعد طول جفاف.
من بين الحشد المتناثر سَرَتْ شحنة من طاقة جاذبة سارت في مسارها العيون فالتقى القطبان وتعانقت النظرات .اشتدت تلك الطاقة فإذا بها تشدهما ليقفا متقابلين ، يصب كل منهما حنينه في عينيْ الآخر .
قالت له :
_ كيف تصف حبك لي؟
صمت برهة ثم نظر حوله ، وانحنى فوق الأرض برفق ليلتقط حجرا صغيرا ، نظر إليه قائلا :
_ إن قُدِّر لهذا الحجر أن ينتهي أو يذوب أو يموت ، فإن حبي سيناله ما ينالُه.
مد يده بالحجر وقبل أن يوسده راحتها سألها :
_ فكيف هو حبك لي ؟
انحنت فوق الأرض بحركة رقيقة ، والتقطت قمعا صنوبريا جافا ،قالت له وهي تقدمه له :
_ إليك هذا . إنه يحتضن غابة ! كل بذرة مخبوءة فيه هي شجرة معمرة ستلد مثله الآلاف . فلو استطعت أن تعدّ البذور التي ستكون ، عندها يمكنك أن تتخيل لحبي وصفا !
_______________
حنان الأغا
دمشق 21/3/2007