رفقا بي ...!!!
رسالَةٌ بِقَلَمِ : كَلِمَةِ الشّوْق
أكْتُبُ إِلَيْكَ وَ دُموعُ النّسمات ِمُحَمّلَةٌ بِحَبيبتِكَ الْحاضِرَةِ بي ...
أضْناني السَّفرُ وَأَنا الضّائِعَةُ بَيْنَ لياليكَ وَلَياليها ، وَلَيْسَ في يَدي إِلاّ ذلِكَ القِنديل الّذي يَهديني إلى قَلْبِ الْقَمَرِ ... وكُنْتُ وَحيدةً في السُّرى ... تُشْرِقُ الشّمْسُ عَلى أَحْزانِكَ الّتي تَطْبَعُني ، وَأَنا الْغارِقَةُ في شَجِنَكَ، وَكُلّما شَطّتْ بيَ الْمَسافاتُ أنْبُتُ مِنْ أَعْماقِ أسْئِلَتِكَ الدّائِمَةِ، ولا يُعْييني شَرْحُكَ ...!!
وَأراكَ وَقَدْ شاخَ الدّهْرُ مِنْ حَوْلِكَ ، وما تَزالُ في لـَحْظَةِ سَفَرِكَ الدّائِمِ إلى عَيْنَيْها، وَكُلّما شَكَوْتَ النّوى، وَأَعْجَزَكَ القولُ أتَولى شَرْحَكَ وأنتَ تذوُِّبني بَوحاً...
أعْلَمُ – أيُّها الْعاشِقُ – أنّكَ عِشْتَ بَعضَ إنْسانٍ يـَحْيا في الزِّحامِ ، ويـَمْتَصُّ الثَّباتَ الرّاجِفَ ، وَكُنْتُ أعيشُ جَوّالَةً في رَكْبِكَ ...
أراكَ وَأنْتَ تُنْفِقُ الْعُمْرَ بِتَباريحِ شَتاتٍ فَوْقَ أَكْتافِ الرِّياحِ، وأنْتَ تـُمنّي الْقَلْبَ بِِرُقْعَةٍ تَزْرعُ فيها أزهارَكَ...
أيُّها الرّاحِلُ في الْـحُلُمِ ، ارفُقْ بي ، فَقِدْ حوَّلْتَني إلى سُؤالٍ يُلِحُّ في الْأَعْماقِ ؛ سُؤالٍ مَبْحوحِ الرَّجاءِ ، وَكُنْتُ -أيُّها النّازِفُ غُرْبَةً- هُويتَكَ ، وَكانَ وجْهِيَ بِطاقَةَ دُخولٍ إلى بَوابَةِ شَمْسٍ تَسْكُنُ قَلْبَ غَيْمَةٍ..!!
كُنْتُ أنْقُلُ رَسائِلَكَ إلى حبيبتِكَ السّاهِرَةِ كالْقَمَرِ على شُبّاكِ غَدِها ، وَكُنْتُ أَعودُ إِلَيْكَ حامِلاً رِسالَتَها، وَأراها تَطْلُعُ مِنْ شُرْفَةِ جَفْنَيْكَ، وكُنْتُ قَدْ ثَقَبْتُ صَمْتَ لَيْلِها لأدْخِلَ النّورَ مِنْ كُوّةٍ لا تَعْرِفُ الانْغِلاقَ؛تَسْتَمِدُّ ضياءَها مِنْ قِنْديلِ لَيْلِها النّاعِسِ ، وَكُنْتُ أَحْمِلُكَ على نَسَماتِ الّليْلِ صَدى مَوّالٍ حَزينٍ ، يَزْرعُ الأزهارَ في كَفّيها...
أتّعْلّمُ!
مِسْكينٌ أنْتَ فَقَدْ باتَ فُؤادُكَ غَريباً في مَحَطّاتِ عَينيْكَ... تَسْكُنُ حَبيبتِكَ في الـمَسافَةِ بينَ الـحَنينِ والـجُنونِ، وأنا رَسولُكَ إليها ، وأنْتَ الـمُنْتَظرُ على قارِعَةِ الـحُزْنِ أخْبارَ عَيْنيها، تَتكِئُ على أَريكَةِ الصّمْتِ ، وَتَسْتَحِمُ قوافِلُكَ الـمُتْعباتُ في مياهِ اليقينِ!!
في لَيْلَةٍ مِنْ لياليكَ البائساتِ وَقَفْتُ على أهْدابِ عَينيْكَ لِأَخْتَلِسَ النّظرَ فَرأَيْتُكَ وَأَنْتَ تَنْقُشُها وَشْماً على صَدْرِ طُفولَتِكَ ، وَرَأيْتُكَ وَأَنْتَ تَكْتُبها بِلغتي سِراً عَصيّا على البوْحِ...
عندها اقْتَحَمْتُ عليكَ عالـَمَكَ لِأمْسَحَ أوْجاعَكَ الـمُسْتريبةِ ، وَدَخَلْتُ مِن نوافِذِكَ المـُغْلقاتِ لِأَكْسَِر الـحُدودَ بينَ التّرددِ والاقْتِحامِ.
أتَذَكّرُ حينَ حَمَلّتني ما لا طاقّةَ لي بِِهِ، وأنا أرْتدي ثَوْبَ المـُسْتحيلِ، وأثـْمَلُ بَيْنَ يَديْكَ، وَأَرْحَلُ مِنْ شَفَتَيْكَ لِأَشُقَّ لِروحِكَ دَرْباً في جِدارِ الصّوْتِ...
أيّها الهائِمُ السّاهِمُ !!
أكْتُبُ لَكَ لِأَتَنَفَسَ، بَعْدَ أنَ طَوَّقْتَني إلى حَدِّ الِاخْتِناقِ.. أَكْتُبُ لِأنّني أُريدُ الخُروجَ مِنَ العتْمَةِ بَعْدَ أنْ أيْقنْتُ أنّها في أنْ يَكونَ مِنْ حَوْلِك النّورُ، ، ولكنّكّ لا تراهُ ...
أكْتُبُ لِأنَّ الضّجيجَ يَعلو كُلَّ الوجوهِ ، والوحْدَةُ رِداءٌ ثَقيلٌ يكسوني ، لا يَنْتِزُعني ولا أَنْتَزِعُهُ.
قاسِيةٌ هيَ الّليالي – يا صاحِبي- حينَ تَأتي بِأرَقٍ لِا يَنْتهي، وَأنا وَأنْتَ نَسْكُنُ الأمانيَ العِذابَ، وَنـحْيا في بَياضِ لا يـُحَدُّ لَمْ تُدَنسْهُ أنْفاسُ العابرينَ..
أتّعْلَمُ لـِماذا كَتَبْتُ إليكَ ؟
حَسَنا سأقولُ لَكَ : كَتَبْتُ لَكَ لِأنّني أعْلَمُ أنّكَ أُميٌّ في كِتابةِ أبْجَديتي، رَغمَ أنّكَ مُتْخَمٌ بِي ؛ أَلَيْسَ عَجيباً أنْ تَكونَ ذاكِرَتُكَ مَسْكونَةَ بي وقلَمُك عاجِزٌ عَنْ كِتابَتي؟؟!!
كَتَبْتُ عِنْدَما ارْتَطْمْتُ بأرْضِ الِإجاباتِ الـمُسْتحيلَةِ ، وَكانَ بإمكاني أَنْ أَتَستْرَ وأخْتبئَ في حنايا روحِكَ، دونَ أنْ أكْشِفَكَ للعَيانِ ، وَعِنْدَما قَرّرتُ الـخُروجَ مِنْ صَمتي تَعرّيْتُ إِلاّ مِن ثَلاثة:
أنْتَ ، وَهِيَ، و مَساءاتٍ غائِمَةٍ بي .
كَتَبْتُ لَكَ بخافِقي فَقَدْ كَسَرْتَ سُنْبُلَةَ العِنادِ في خافِقي، فَجَلستُ على مائِدَةٍ مُنْعَزِلَةٍ في رُكْنٍ قَصِيٍّ عَليْها اثنانِ: ( صامِتٌ وَمُثَرْثِرَةٌ)...
كَتَبْتُ بَعْدَ أنْ تَوسّدْتُ رُخامَ الصّراحَةِ ، وَبَعْدَ أنْ عَلّقتَني على أطرافِ حُزْنِكَ رايةً لا تتمزّقُ ، لِتَهْطُلَ ذاكرَتي الـمُتخمَةُ بِكَ ، أَحِنُّ إليْكَ والدُّنيا مَشْغولةٌ بترْتيبِ مُفاجآتِها ذاتَ مَساءٍ ، فَقَدْ جَرّدتَني مِنْ أَناكَ لِأسْكُنَ عالـَمَها ...
أجْلِسُ بـِجِوارِها وَأنا الـمُخْتَنِقَةُ بهداياكَ الـمُقْفَلَةِ، وَبَعْدَها أَسْتريحُ في مُنْتَصَفِ الطّريقِ على رَصيفٍ غَريبٍ مِثلي جاءَ مِنَ الْعَدَمِ وَسُمّيَ مَكاناً ...مَكاناً لـِمَنْ لا وطنَ لَهُ...!!
مَكانَ مَنْ يُغادِرونَ وَ يأخذونَ مَعَهُمْ أعْمارَهُمْ في حقائِبِ سَفَرِهِمْ ، يـَحْضُنونَ سهاما جَرَحَتْهُمْ ، وَ يـمْتَصّونَ أَحْزانَهُمْ ...
كَتَبْتُ لأنّني تذكّرْتُ يَوماً وقوفَكَ عِنْدَ شاطِئِ الْبَحْرِ وأنْتَ ترسِلُني مِنْ عَينيكَ لأقاوِمَ أمْواجَهُ ،وَأشْرَبَ أمْلاحَهُ، وَأسْكُنَ قرارَهُ، لا أعْبَأُ بالـخَطَرِ مِنْ أَجْلِكَ ومِنْ أَجْلِها..
كَتَبْتُ لأنّكَ أدْخلتَني قواميسَ الـْحُبِّ بـَحْثاً عنْ كَلماتٍ لَمْ تُكْتَبْ في صَفَحاتِ الـمُحبيّنَ ،كَلِماتٍ يَسطو عَليها غُبارُ السّنين فلا يّبْرَحُها ، ولا يَدعوها للتّجَددِ.
أتَدْري؟
لَمْ أَجِدْ قاموساً يـحْتويني وَيـحْتويكَ ويـحْتويها غيرَ قاموسِ قَلْبِكَ المفْعَمِ بالسِّحْرِ ، الـمُغْرورِقِ بالْعِشْقِ والشُّجونِ الْقَديـمَةِ، وَعَلى حَوّافِ صَفَحاتِهِ يـَحْلو التّمْنّي ، وَتَسْتيقِظُ الذّكْرياتُ...
أرَأيْتَ - أيُّها الـمِسْكينُ - كَيْفَ أسْتَطيعُ تَرتيبَ فُصولِكَ عَبْرَ رِسالَةٍ؟؟؟
أعَرَفْتَ سِرَّ كِتابَتي إِلَيْكَ؟؟
أظُنّكَ لَمْا تَعْرِفْ السِّرَّ بَعْدُ...
السِّرُّ- يا سّيّدي- أَنّني كَلِمَةٌ تَكْتُبُ وَلا تُكْتَبُ !!!