بالأمسِ كنتِ قربيْ
تسكبينَ الصَّمتَ في كأسِ الغناءْ
وترشفينَ العصرَ من غيمِ الأمانيْ
وأنا أصبُّ من إبريقِ أحلاميْ ترانيمَ الجوى
بأقداحِ غفتِ على ثغرِ المساءْ
بالأمسِ كُنتِ قُربيْ
تمسكينَ النشوةَ الزرقاءَ في كَفِّ الوعودْ
وتكترينَ في عينيكِ غيماً من هوىً
وحولَ جيدِ الذِّكرياتِ قد علَّقتِ أطواقَ الورودْ
وقلبيْ يلمسُ الأحلامَ من نهدِ الصَّبا
وتعتليهِ الصُّعداءُ حتَّى يكتريْ دفءَ الغيابْ
وفي عينيكِ قد نامتْ أساطيرُ العبيدْ
والكونُ يثويْ هادئاً على كفِّ الخلودْ
***
بالأمسِ كُنَّا قد جلسنا بينَ كفَّيْ شُرفةٍ
مادت على أرجوحةِ الغيمِ البعيدْ
أرنو حنان قلبكِ الغافيْ على زندِ الهوى
وقربنا أصيصُ العمر يزدهيْ
يذُرُّ صحوَ الحُبِّ فوق بِركةٍ
هامتْ على وقعِ السُّكونْ
وكرسيُّ الأماني يتَّكيْ على صدى الألوانِِ
يرقبُ الأضواءَ في سقفِ الحنينْ
***
اليومَ
عُدتِ قربيْ
عدتِ تصحبينَ البُعدَ...
حيثُ كنتُ وحديْ ذاهلاً
في شُرفةٍ ناحتْ على زندِ الغروبْ
أصبُّ كأسَ الوحشةِ المرميَّ
من إبريقِ بعدكِ المدفونِ في جمرِ الغيابْ
وعادَ قربيْ صوتُكِ النَّائي
أصيصُ العمرِ يبكيْ
قُربَ بركةٍ غابتْ بأحضانِ الشرودِ
والصَّبا يلفُّ وجهَ الذِّكرياتِ
يعلو مثلَ خيطٍ
ليعلِّقَ الأحلامَ في سَقفِ العذابْ
فأرْخيْ سمعَ دهشتيْ لهمسِ الذكرياتِ
يرويْ قصَّةَ الأمسِ المُسجَّى كالنَّدى
على كفٍّّ... تُرابْ
والرِّيحُ تخطِفُ الأحلامَ من حضنِ الكراسيْ
حيثُ يثويْ الكونُ في حضنِ الخُطوبْ
والوقتُ يجريْ في أنينيَ الباكيْ
ليعتريْ صمتيْ دبيبُ الخوفِ والبردُ اللهيبْ
أراكِ غيمةً تمشيْ على كُلِّ الزَّوايا
لتوَشِّحَ الشُّرفةَ في لونِ الغروبْ
وماءُ البركةِ المكلومُ أضحى ذاهلاً
يردِّدُ الأصداءَ حولَ جدرانِ الفراغْ
وفي دويِّ البعدِ أطرقتُ ألمْلِمُ الشَّتاتَ
من كفَّيْ ذهوليْ
أمخُرُ الشَّوقَ الغريبْ
وكُلُّ شيءٍ عادَ قربيْ
ماثلاً إلا أنا...