بالعامية الفصحى
اسمحوا لي أن أتحدث إليكم بالعامية الفصحى إن صح التعبير، وأن أنقل إليكم نص ما حكاه صديقي لي حيث قال :
وأنا طفل صغير كنت أرى الأطفال الكخين ( السوقة) _حسب تصنيفي لهم في الصغر_ كنت أراهم بيتشعبطوا ( يمسكوا) في الحنطور من الخلف دون أن يلحظهم السائس،ثم يصيح طفل آخر ليفتن عليهم قائلا: "كرباج ورا يا سطى" ولا أخفيكم سرا كم مرة تمنيت أن تسمح لي الظروف –فأتشعبط- مثلهم، حتى ولو نلت نصيبي من الكرابيج، فالضحك والسرور البادي على وجوههم وهم يفرون كان كفيلاً بأن أسعى لخوض التجربة ، لكن على أي حال لم تسمح الظروف، حيث قمقم المحظورات "أن تكون طفلاً مهذباً، وقمقم المحرمات وقمقم المنع ، تلك القماقم وغيرها حالت دون ذلك ودون ذالكات أخرى" ... انتهى.
والذي عرفته من صديقي انه عانى كثيرا وما زال يعاني من كيفية التوفيق بين القماقم التي شكلت له انفصاما بين الذهن والواقع وبين الرغبة ،حيث أصبح يرى الواقع بحيث يريده أن يكون لا بحيث هو كائن ، ففي الصغر حيث انعدمت التجارب التي تشكل المنطقة الوسطى بين الواقع وبين الذهن ، أي الفرصة التي تجعله يختبر تلك القيم على ارض الواقع ومدى إمكانية تطبيقها، وبين الواقع المليء بكل المتناقضات، ولا يحكمه الذهن المطلق المثالي، حيث لكل قانونه الخاص به .
والغرض الذي دفعني لكتابة هذه السطور أن مجتمعاتنا تعاني من أزمة قيم حقيقية ، لكنها لا تعيش ذاك الانفصام الذهني الذي يعيشه صديقي الحائر - وهو استثناء لا يقاس عليه-، بل تعيش انفصاماً آخر، هو أزمة التشدق بالقيم، وبين تطبيقها عملاً ، فالأب يصرخ في ابنه المدخن والسيجارة في فيه، ويغلق الدش، ويحتفظ بالرقم السري لنفسه ، ويسب بأقبح الشتائم، ويندهش حين يسمع ابنه يشتم، وكم من مرة خرجت التي أصبحت فيما بعد أماً لتقابل صديقها، وكم من مرة تطاولت على بنت جارتها لذات الفعل. ربما كان صديقي يعيش أزمة فكر لكن المجتمع يعيش أزمة خداع.
مازال صديقي حائراً بين الرغبة وتمنعه القيم المزعومة والتي يعرف أن كثيراً منها مزوراً، بينما المجتمع يتشدق ويتمسك بها، وهو موغل في وحل التطبيق ذاته، فأيهما على صواب ؟