قرأة في احدى نصوص الشاعر الكردي شيركو بيكه س
هل اتاك حديث الشاعر الكوردي شيركو بيكه س الذي كسر صدفة التقليد في الشعر الكوردي واجترح له فسحة شعرية خاصة به مثابة مملكة لاتحاذي اي مملكة !ام هل اتاك حديث الشاعر حين يكون موهوبا ومعذبا ومثقفا وصادقا ومنتميا للشعر اولا واخيرا فيوزع رؤاه وانفاسه على مباهج الطبيعة التي مسختها الغطرسة والعتو والجهل ! والعنصرية البعثية الشوفينية ! حاملا على كاهله رسائل الفقراء والحالمين والمشردين ليوزعها على قرائه وينصرف كما النسمة ! هذا الشاعر خلق ليكون شاعر فابوه شاعر واسم ابنته هه لبه ست ومقابلها العربي قصيدة او شعر !واسمه مقترن بثلاث طبيعات طبيعة حية عاقلة ( وحيد ) وطبيعة حية غير عاقلة ( أسد ) وطبيعة ميتة ( جبل ) قارن : شيركو بيكه س : شيركو كلمة مركبة من (شير) أسد، و كو (جبل). !! وبيكس يعني.. الوحيد!
قام الكاتب دانا احمد مصطفى بترجمة وتقديم كتاب تحت عنوان (أنتِ سحابة..فأمطركِ) مختارات شعرية للشاعر الكردي شيركو بيكه س، حيث طبع الكتاب في السليمانية في عام 2004 وضم الكتاب مجموعة كبيرة من قصائد الشاعر،وقد اخترت من اربعون ينبوعا شعريا هذه الومضة القصيرة التي تلخص الكثير من ما يريد الشاعر ان يوصله لنا من خلال قصائده.
في مقدمة الطبعة العربية لديوان شيركو بيكس «ساعات من قصب» كتب الشاعر العراقي سعدي يوسف معرفا ببيكس وشعره: «رحلة شيركو بيكس المديدة في الشعر والثقافة والحياة ظلت رحلة اكتشاف ودهشة وصيرورة، وفي مسارها الفني، وبه، اغتنى الشعر، وتجوهر، وعاد الى البدء ايماء واشارة الى واقع آخر»
ومضات
اكتب بعبشة
واقرأ غابة
هي الطبيعة هنا تبرز، وللطبيعة بلاشك مدلولاتها الغنية والمتشعبة في منظور الشاعر لانها تمثل بلاده التي تنعم بطبيعة خلابة حيث الخضرة والغابات واشجار اللوز والجوز، وجنار واسبيندار، والكثير من هذه الاشجار التي ترسم خارطة الوطن في مخيلة الشاعر، والخضرة التي تمتد لمساحات وشاعة، وتلك الانهار التي تتخللها، والاينابع التي تنفجر في كل الاماكن، والجبال التي لاتعد ولاتحصى، الجبال الشاهقة التي تشكل في مخيلة أي شاعر مادة خامة لكتابة الشعر، لذا فشاعرنا بيكه س هنا يستعير من الطبيعة الخلابة هذه اصغر امورها وجودا الا وهي عشبة حيث من خلال هذه العشبة الصغير في الواقع والكبيرة في مخيلته يقرأ وطنا ساحرا بطبيعته، ورائعا بجوه.
ارى قطرة مطر
اسمع هدير يم
كردستان التي في نظر الشاعر وبلاشك في الحقيقة ايضا تمتد حدودها الطبيعية حسب ما ورد في كتب التاريخ الى ما وراء بحيرة وان وكذلك تشمل اراضيها الكثير من الانهار لاتقع مباشرة على بحر مفتوح، وهذا ما جعلت اراضيها مغلقة تماما، لذا فحلم الكثيرين من الشعراء والناس فيها ان تنعم اعينهم برؤية البحر،وهذا ما يجعلنا نجد بان اغلب الاداباء يتوهمون البحر او يحاولن السفر من اجل ملامسته عن قرب وكثب، لكن هذا لايمنع ان يتغنى به الشعراء، فالماء العنصر الرئيسي في تركيبة الطبيعة في كردستان امر لايناقش فيه، وذلك لكثرة الامطار فيها، حيث هذه الامطار تشكل العنصر الاساسي لمد روافد الانهار والينابيع ، لذا نجد شاعرنا يصف هذه القطرة المطرية وكانه يسمع من خلال هدير بحر كامل لانه يدرك تماما اهمية هذه القطرة في انعاش الحياة في كردستان، وفي قوله:
في كفي حبة قمح
وفي جسدي بيدر
يتضح لنا الصورة بشكل بارز وواضح ، حيث ان هذه القطرة تمد الارض بالحياة وترتوي منها ومنها تعشب وتنمو الاشجار والازهار والربيع ولاننسى ان كردستان تعيش على الزراعة ومصدرها في الارتواء هو المطر، والمطر هنا بلاشك يشكل في مخيلة الشاعر يما لانهاية له ولاقرار لانه يمد اناس لاحصر لهم ولاعد بالحياة من خلال احياء الارض الذي يعيشون عليه وهكذا تكثر البيادر في جسد الارض الذي هو جسد الشاعر نفسه، وهذا التمازج الصوفي بين الارض والجسد يشكل عقيدة الكردي في شتى مراحل تاريخه، حيث انه عاش عاشقا لوطنه، لارضه، كما يعشق حبيبته التي لاتفارق وجوده، والكردي له في فنون العشق فنون ، وملاحم، واساطير، لعلنا هنا نستحضر فرهاد وشرين، ومم وزين ، حيث سطر هولاء اروع قصص الحب لذا نجد الكردي العاشق يربط ابدا بين حبيبته وارضه وكأنهما يرفدانه بكل مقومات الوجود ، وهذا ما يوضحه الشاعر بقوله:
احمل فتلة شعر معشوقتي
والحب في معيتي
وهنا يتضح جلياً لنا الرؤية الكاملة للشاعر ، تلك هي رؤية للحب..رؤيا في الحب...الصور فيها تتوالى اثارة الاحساس بالكون المطلوب..وفتلة الشعر ليست الا صورة لذلك الكون..الذي يخلق..رؤية ناضجة تامة المعالم بليغة التعبير عن الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر..وعندما يجتاحه الاعصار اعصار وجودها لاول مرة ..تصل الى الحالة التي تصبو اليه الذات الشاعرة..فيدرك الشاعر انها معه والشعور بالمعية امر ليس بالسهل، حيث نجده يخرج العادة بتوحده بها توحدا صوفيا بحتا ممشوقا ببيادر الارض وحنينه واحضان الحبيبة وحنانها..لذا نجده في لذة التوحد هذا ، وقمة النشوة يدرك وجوده التام ويصل الى حالة النرفانا فيقول:
انا الان
لدي بيت واحد من شعر (نالي)
وفي معيتي
كردستان
قمة الادراك الحسي بالوجود، وقمة الادراك الوجداني بكينونته ، واستحضار اكثر من رائع لشاعر له باع طويل في مجال العشق والتصوف وحب الوطن، وهو الشاعر احمد نالبنَد الملقب ب(نالي) شاعر متصوف كتب في جميع اصناف الشعر، الوطني والديني والوجداني والملحمي، ومن شدة تعلقه بالشعر وبالحب كتب في بعض قصائده ادق تفاصيل العلاقة بين الرجل والمرأة، بل افرط في وصف اعضاء المرأة، ولم تكن نهايته الا انتحارا حسب اغلب رأي اغلب متابعيه، وكان نالبند من سكنة منطقة العمادية وعاش لفترة من حايته في مناطق الحدودية مع تركيا، وشيركو بيكه س هنا في قصيدته هذه يستحضر بيتا من قصيدة نالبند لتعطيه الدعم الكافي واللازم من اجل اكمال مسيرته لانه يدرك بان نالبند جمع الوطن في روح حبيبته حتى غدا الاثنين واحد، فابدع في وصف الاثنين، حتى وان خرج عن المألوف العادي في وصفه وخدش الحياء في نظر الكثيرين، لكن يبقى نالبند صرحا شعريا في كردستان، وهذا ما ارادنا الشاعر ان نصل اليه انه بكل ما ذكره انفا اراد ان يصور لنا كردستان التي هي حبيبته كيف تكون بدأً من العشبة ومرورا بالقطرة واليم ووقوفا على سنابل القمح والبيادر ووصولا لفتلة شعر معشوقته ومن ثم الوصول الى حسية وجوده ليقول لنا بان نالي الهمه بان الارض كردستان هي اغلى حبيبة فيه وله..وكأن الشاعر هنا اراد تقمص روح الراحل ليقول لنا بلسانه انه مثل يعشق ارضه.