قالوا صبئت
ــــــــــــــــــــــــ
خَطَرَتْ عَلى قَلبي فَزَلْزَلَنيْ الوَجَلْ وَ رَمَتْ بِسَهْمِ لِحَاظِها لُبَّ البَطَلْ كَمْ غَادةٍ فِيْما مَضَى أَرْدَيْتُها صَرْعَى اِفْتِتَانٍ بَيْنَ طَعْنَاتِ المُقَلْ حَتَّى انْتَصَرْتِ لَهُنَّ مِنْ قَلْبٍ هَوَى أَلْجَمْتِ خَيْلَ تَقَحُّمي بِنَدى الخَجَلْ خَمْرِيَّةَ الشَّفَتينِ , سُبْحانَ الذِي خَتَمَ الرَّحِيْقَ عَلَى رِضَابٍ مِنْ عَسَلْ لَيْلِيَّةَ العَيْنَيْنِ , أَنَّى أَرْعَوِي ؟؟ وَ نِدَاءُ لَيْلِهِما رَمَانِي بِالخَبَلْ !! يا رِمْشَها نَصْلُ المُهَنَّدِ قَاطِعٌ مِنْ غَيْرِ حَدٍ كَمْ شَهيدٍ قَدْ قَتَلْ يا عَينَها - رَبُّ السَّماءِ بَدِيْعُها - يا هُدْبَها مِنْ غَيْرِ كُحْلٍ , اِكْتَحَلْ يا أَنْفَها - وَ شُمُوخُ عِزٍّ وَصْفُهُ - يا سَعْدَ حَالِ شَهِيْقِهِ فِيْهِ انْتَقَلْ يا طِيْبَ أَنْفاسِ الزُّهُورِ زَفِيرُها يا رُوْحَ لَيْلَكَةٍ وَ يا أَنْدَاءَ طَلْ يا خَدَّها ذَاكَ الأَسِيْلُ فَدَيْتُهُ تُفَّاحُهُ منَّى شِفَاهِيَ بِالقُبَلْ يا خَاتَمَ الأَلْماسِ ثَغْرٌ قَدْ حوى صَفَّيْ لَآَلىءَ , جَلَّ رَبِّي إِذْ صَقَلْ يا جِيدَها ذاكَ المُحيطُ أَوَدُّ لَوْ أَنِّي غَرِيقُ عُبَابِهِ لَا أُنْتَشَلْ يا شَعْرَها الشَّلالُ , يا لَحُبُورِهِ مَتْنٌ عَليهِ دُجُنُّ لَيْلِكَ اِنْسَدَلْ يا عُودَها رُمْحٌ رُدَيْنِيٌّ أَلا شُكْريْ لِمَنْ ثَقَفَ القَنَاةَ عَلى مَهَلْ يا صَوتَها شَدْوُ البَلابِلِ سِحْرُهُ يُغْرِي بِأُذْنَيَّ السَّمَاعَ فَلا أَمَلْ يا وَيْلَتَاهُ , تَجَرَّأَتْ في وَصْفِها أَبياتُ شِعْري , ثُمَّ بَاحَتْ بِالغَزَلْ وَ هْيَ التي دُوْنَ الوُصُولِ لِحُسْنِها كَدَّ القَصِيْدُ فَلا أَجَادَ وَ لا وَصَلْ لَوْ عَيَّرُونِي بالهيَامِ فَإِنَّهُ يَا زَيْنَ عَارِ مُتَيَّمٍ مُنْذُ الأَزَلْ لَو شَعْوَذُوا أَوْ تَمْتَمُوا بِطَلاسِمٍ مِنْ ( نَسْرِهِمْ ) وَ ( يَغُوْثِهِمْ ) , أَوْ مِنْ ( هُبَلْ ) فَلَأَحْطِمَنَّ جَهَارَةً أَصْنَامَهُمْ وَ لَأَنْصُرَنَّ حَبيبتي , مَهْمَا حَصَلْ قَالُوا : ( صَبئْتَ ) , فَقُلْتُ : ( رَبِّيَ وَاحِدٌ هُوَ أَوَّلٌ , هُوَ آَخِرٌ , هُوَ لَمْ يَزَلْ ) لكنَّني - وَ اللهِ - أَهْواهَا وَ لَمْ يَجْنَحْ هَواهَا , لَا , وَ لَا قَلْبي أَضَلْ فَلَأَمْكُرَنْ , وَ أَكِيْدُ مَكْرَ عَداوَةٍ وَ لَأَضْرِبَنَّ بِحُبِّها مَنْ قَدْ عَذَلْ فَإِذا اسْتَحَمَّتْ فِي مِياهِ بُحَيْرَةٍ فَلَأَشْرَبَنْ حَتَّى أَرَى المَاءَ اضْمَحَلْ وَ إِذا تَوَارَتْ فِي ثَنَايا هَضْبَةٍ فَلِأَجْلِ عَيْنَيْها سَأَقْتَلِعُ الجَبَلْ وَ إِذا غَمَامُ الشِّعْرِ يَوْمَاً زَارَنِي فَلَأَكْتُبَنْ فِيها فَرَائِدَ مَا هَطَلْ وَ لَأَجْعَلَنَّ عَبَاقِرَاً تَرْنُو لَهُ حَتَّى يُشَاعَ بِأَنَّ قَارِئَهُ انْذَهَلْ وَ لَأَسْكُبَنَّ مِنَ المِدَادِ بُحُوْرَهُ زُلْفَى لِمَا أُمِّلْتُ فِيْمَا لَمْ أَنَلْ يا قَوْمُ إِنِّي عَاشِقٌ , وَ حَبيبَتي رَغْمَ الأُنُوفِ أُحِبُّها , رَغْمَ الجَدَلْ قَدْ قُلْتُ فِيها بَوْحَ قَلْبٍ هَائِمٍ لَمْ أَبْغِ فِيْهِ , لَا , وَ لَا شِعْريْ خَطَلْ أَمْشي عَلى قَلبي وَ أَخْطُو نَحْوَها مَشَيَ الفَوارِسَ نحوَ مَوْتٍ مُحْتَمَلْ إِنِّيْ جَوَادٌ جَامِحٌ ثَارَتْ بِهِ نَارُ الهَوَى فَأَذَاعَها لَمَّا صَهَلْ وَ عَزِيْمَتِي النَّوُّ الشَّدِيْدُ تَبَخَّرَتْ أَضْحَتْ تَخُوْرُ بِجِسْمِ صَبٍّ قَدْ نَحَلْ فَأَنَا الذي تَخْشى الحَبيبةُ نَظْرَتي بِتُّ الحَرِيْقَ بِجَمْرِها لمَّا اشْتَعَلْ أَدَّى الفُؤَادُ فَرِيْضَةً فِيْ عِشْقِها وَ ازْدَادَ نَافِلَةً بِهِ لَمَّا نَفَلْ وَ أَجَابَ : ( إِنِّيْ خَافِقٌ بِغَرَامِهَا ) فَأَقَرَّ شِرْيَانِي الجَوَابَ لِمَا سَأَلْ إِنْ حَرَّمَ الرَّحمنُ وَصْليَ فَاشْهَدُوا إِنِّي لَها سَاعٍ بِمَا هُوَ قَدْ أَحَلْ وَ الأَرْضُ إِنْ وَقَفَتْ بِوَجْهِ لِقائِنا لَأُلَاقِيَنَّ حَبيبتي - لَوْ - فِي ( زُحَلْ )
ـــــــــــــــــــــــــ ــ
الدراسة النقدية :
...
...
نعود مع هذه القصيدة على شعر الغزل، وهو الشعر العربي الجاهلي، الذي كان يبدأ الشاعر قصيدته بالوقوف على الأطلال، أو النسيب والغزل، فتعود بنا الذكرى إلى تلك الشوامخ والذرى.
في البدء، يقوم الشاعر بالانطلاق من لفظ يدل على ولهه، وعشقه، وتمكن الحب من قلبه، وهي تعابير تدل على موقف الشاعر من واقعه:
خَطَـرَتْ عَلـى قَلبـي فَزَلْزَلَنـيْ الوَجَـلْ
وَ رَمَـتْ بِسَهْـمِ لِحَاظِهـا لُـبَّ البَطَـلْ
خطرت: والخاطر ما يمر على القلب، أو الفكر بلمح البصر ثم يختفي ويرحل، ولكن الحبيبة هنا مرت على القلب، وما مر على القلب يبقى، ويتجذر داخله،ولفظ(على) يدل على الفوقية، والعلو، ثم جاء بحرف المعاقبة،(الفاء) ليدلك على سرعة تأثره بهذا الخاطر السريع الذي بقي في قلبه وأثر فيه هذا التأثير، وبقت ملامحه لا تمحى..فتزلزل هذا البطل القوي الذي كان يظن نفسه لن يتزلزل ولن يعشق، ولكن لحظ هذه المرأة قد غاص في أعماق فؤاده فأرداه قتيل ناظريها.
والوجل هو الخوف، والرهبة، وهنا لم الخوف؟ لا شك أنه يخشى من انسياح هذا القلب نحو هذا المنحى الخطير. وهنا زلزله الوجل: ولا بد من الوقوف طويلا أمام لفظة(زلزل): فزلزل فعل رباعي، ولا شك أن كل زيادة في المبنى تعطي زيادة في المعنى، فزل مثلا معناه سقط،كما قال امرؤ القيس(يزل الغلام الخف عن صهواته ... و يلوي بأثواب العنيف المثقل)، فهنا يصور لنا البيت هذه الصورة التي تدل على معنى (يزل) كأنه يرجع القهقرى ثم يسقط على ظهره، من هول سرعة الفرس، ولكن جاء شاعرنا بلفظ أكثر معنى وأعمق صورة، زلزل:تدل على الارتجاف المرة تلو المرة كما في الآية(إذا زلزلت الأرض زلزالها..)، فهنا قلب العاشق قد تزلزل عن مكانه.
ثم ذكر وصفا آخر، فهي قد رمت بسهم لحاظها، وسهم هو المعلوم بالرمية، وكما في الحديث(النظرة سهم من سهام إبليس)، فالسهم يمضي نحو الرمية، ليصيبها مقتلا، وهنا سهم من لحاظ عينيها، وهو تشبيه بليغ جدا، هذا السهم قد أصاب ب(عقل) البطل، وهو هنا يعني نفسه، وهي لفظة تدل على القوة، وكيف أن هذه القوة قد تلاشت أمام هذه الألحاظ..ثم يتحدث شاعرنا عن نفسه، وكيف أنه كان قويا لا يأبه بشيء ولا يخشى من شيء، بل كان مغامرا قويا ولعوبا، ولكن هذه السهام أردته قتيلا، فهنا يقول
كَـمْ غَـادةٍ فِيْـمـا مَـضَـى أَرْدَيْتُـهـا
صَرْعَـى اِفْتِتَـانٍ بَيْـنَ طَعْنَـاتِ المُـقَـلْ
فكم من فتاة عشقته،وهو يتلعب بها وبعشقها، واستطاع الخروج من هواها، لأنه لا يعشق بل يلعب..!وكلمة فيما مضى اعتراضية، ولكنها تخرج مع نفس الشاعر، بتحسر وهم ثقيلين، فذاك زمان كان ثم انقضى وجاء عهد جديد، عهد العشق والحب، الحقيقي،ثم تمعن بكلمة(أرديتها) من الردى، وهو الموت، كناية عن تعلقهن به، وحبهن له، وكيف أنه يستطيع الخروج والتلاعب، ولكنه اليوم أسير الوجد والحب والنظرة. وكأني ذهبت بك مذهبا بعيدا أيها القارئ، فكيف إذا شرحت إحساسي حول كل بيت هكذا..! ولكن سأختصر الأمر اختصارا، محاولا أن لا أخل بالمعنى..!
ثم يأتي البيت الثالث ليدلك على كيف هذا القلب اكتوى بنيران العشق والحب، فهذه المرأة كأنها انتصرت لبنات جنسها، من هذا اللاعب بقلوبهن، وعواطفهن،
حَتَّى انْتَصَـرْتِ لَهُـنَّ مِـنْ قَلْـبٍ هَـوَى
أَلْجَمْـتِ خَيْـلَ تَقَحُّمـي بِنَـدى الخَجَـلْ
ثم يقوم الشاعر بذكر أوصاف محبوبته، من مجرد نظرة، وسأتجاوز الوصف لأنها لا يحق لي أن أصف محبوبة الشاعر،
خَمْرِيَّـةَ الشَّفَتيـنِ , سُبْـحـانَ الــذِي.........
ثم يصرخ ملتفتا لنفسه بعد طول ذهول،وغيبة طويلة في وصفها،
يـا وَيْلَتَـاهُ , تَجَـرَّأَتْ فــي وَصْفِـهـا
أَبيـاتُ شِعْـري , ثُـمَّ بَاحَـتْ بِالـغَـزَلْ
والويل: هو الدعاء بالهلاك والعذاب، فكيف تجرأت هذه الأبيات أن تذكر شيئا من حسنها، وأنا الذي أضنها حتى عن عيوني، وعن نفسي....!
فهنا يصف محبوبته، ويتعجب كيف ذهب به المذهب فوصفها بكلمات، فهو يدعو بالويل لأمرين، وضعهما هنا
يـا وَيْلَتَـاهُ , تَجَـرَّأَتْ فــي وَصْفِـهـا
أَبيـاتُ شِعْـري , ثُـمَّ بَاحَـتْ بِالـغَـزَلْ
أمره الأول، هو تجرؤه في وصفها، وهذا يدل على كنه الموصوف وعظمته، فهذه الأبيات الشعرية لا تصف جمالها ولا تعطي صفتها على وجه الحقيقة، والثاني، أنها باحت أمام السامعين بحيه، وتغزله لها.. وهو الذي كان يكنها عن عينه..ثم يسترسل في هذا الوصف الرائع..
وَ هْـيَ التـي دُوْنَ الوُصُـولِ لِحُسْنِـهـا
كَـدَّ القَصِيْـدُ فَـلا أَجَـادَ وَ لا وَصَــلْ
ثم أجد البيت التالي ليست فيه الموسيقى الشاعرية في شطره الثاني..
لَــوْ عَيَّـرُونِـي بالـهـيَـامِ فَـإِنَّــهُ
يَـا زَيْـنَ عَــارِ مُتَـيَّـمٍ مُـنْـذُ الأَزَلْ
ثم ينحرف إلى العاذلين وإلى الآخرين، قائلا لهم، ومتحديا لتمتماتهم وتعاويذهم التي يعملونها بمباركة السحرة والمشعوذين، وأطلق عليهم أسماء الأصنام التي ذكرت في الكتاب العزيز:
لَـو شَـعْـوَذُوا أَوْ تَمْتَـمُـوا بِطَـلاسِـمٍ
مِنْ ( نَسْرِهِمْ ) وَ ( يَغُوْثِهِمْ ) , أَوْ مِنْ ( هُبَلْ )
و هذه كلها أسماء أصنام، الأول والثاني من أصنام قوم (نوح)(عليه السلام)، وهبل كان عند العرب، فهذا كأنه تحد كبير فهي إشارة زمنية و مكانية، لها دلالتها الكبيرة، ويستمر في تحديهم لحبه العميق، ويصرخ فيهم
فَلَأَحْطِـمَـنَّ جَـهَــارَةً أَصْنَـامَـهُـمْ
وَ لَأَنْصُـرَنَّ حَبيبتـي , مَهْـمَـا حَـصَـلْ
وجاء بحرف الفاء للمعاقبة، والسرعة في تنفيذ التحدي لهم، وجاء بحرف اللام التي للتوكيد، وأيضا تشديد النون في (أحطمن)..كلها زيادة في تأكيد الفعل الذي يزمع القيام به، كل هذا ليدل على حبه لهذه المرأة، وفوق هذا كله، فهو يفعل ذلك جهرة نهارا عيانا دون خوف ولا وجل، و كلها مدلولات نفسية لغوية لتأكيد حبه لهذه المرأة الحبيب...ومن لفظة الأصنام يأتي بلفظ يتماشى مع البيت التالي، و هي (صبئت) أي تركت دينا واعتنقت آخر، وهنا الصابيء يعني به حبه وهواها، كما هي اللفظة قريبة من التصابي، وهو الوجد والعشق،
قَالُوا : ( صَبئْتَ ) , فَقُلْتُ : ( رَبِّيَ وَاحِـدٌ
هُوَ أَوَّلٌ , هُـوَ آَخِـرٌ , هُـوَ لَـمْ يَـزَلْ )
وهو يرد عليهم بالمعنى الحقيقي لا الرمزي الذي استخدموه، يصرفهم عن حبه المكنون، ثم يوضح لهم كيف هو وكيف معتقده،
لكنَّـنـي - وَ اللهِ - أَهْـواهَـا وَ لَـــمْ
يَجْنَـحْ هَواهَـا , لَا , وَ لَا قَلْبـي أَضَــلْ
وأيضا في الأبيات التالية يستعد لهم لمناجزتهم، ومحاربتهم،
فَلَأَمْكُـرَنْ , وَ أَكِيْـدُ مَـكْـرَ عَــداوَةٍ
وَ لَأَضْرِبَـنَّ بِحُبِّهـا مَـنْ قَــدْ عَــذَلْ
ثم يأتي بصفات لها، وهذه الصفات من حقها أن تكون هناك، ولكنه هنا بوصفها، لا يريد الوصف ولا حقيقته، ولكنه يريد أمرا آخر، يريد أن يثبت حبه من خلال هذه الصفات، كما فعل ذلك امرؤ القيس في قصيدته
ديمة هطلاء فيها وطف
طبق الأرض تحرى وتدر
ثم من خلال وصف المطر والطبيعة يصل إلى آخر بيت ليصف قوة و شدة خلق خيله..
قد غدا يحملني في أنفه
لاحق الأيطل محبوك ممر
فهي صورة لا تتحول ولا تحور ولا تجور، وكذلك هذه الصورة التي رسمها شاعرنا هنا،
فَـإِذا اسْتَحَمَّـتْ فِـي مِـيـاهِ بُحَـيْـرَةٍ
فَلَأَشْرَبَـنْ حَتَّـى أَرَى الـمَـاءَ اضْمَـحَـلْ
أي عشق و وله هذا الذي استطار بلب العاشق ك فجعله، يكرع من ماء هي فيه سابحة، ويذكرني هذا بقول المتنبي
(وما شرقي بالماء إلا تذكرا لماء به أهل الحبيب نزول)
وَ إِذا تَــوَارَتْ فِــي ثَنَـايـا هَضْـبَـةٍ
فَـلِأَجْـلِ عَيْنَيْـهـا سَأَقْتَـلِـعُ الجَـبَـلْ
يقتلع الجبل...!
أي قوة هذه التي جعلته هكذا؟ كل ذلك دلالة على شغفه وحبه ودله لهذه المحبوبة..!
وَ إِذا غَمَـامُ الشِّـعْـرِ يَـوْمَـاً زَارَنِــي
فَلَأَكْتُبَـنْ فِيهـا فَـرَائِـدَ مَــا هَـطَـلْ
وَ لَأَجْعَـلَـنَّ عَبَـاقِـرَاً تَـرْنُـو لَـــهُ
حَتَّـى يُشَـاعَ بِــأَنَّ قَـارِئَـهُ انْـذَهَـلْ
وَ لَأَسْكُـبَـنَّ مِــنَ الـمِـدَادِ بُـحُـوْرَهُ
زُلْفَـى لِمَـا أُمِّلْـتُ فِيْمَـا لَــمْ أَنَــلْ
إلى أن يلتفت إلى قومه، ويناديهم متهكما بهم وساخرا من فعلهم:
يـا قَـوْمُ إِنِّـي عَـاشِـقٌ , وَ حَبيبَـتـي
رَغْـمَ الأُنُـوفِ أُحِبُّهـا , رَغْـمَ الجَـدَلْ
فهو عاشق وكفى، فلا تلوموه، فهو عاشق وكفى..!
إلى البيت الذي يقول:
أَدَّى الفُـؤَادُ فَرِيْـضَـةً فِــيْ عِشْقِـهـا
وَ ازْدَادَ نَافِـلَـةً بِــهِ لَـمَّـا نَـفَــلْ
وَ أَجَـابَ : ( إِنِّـيْ خَافِـقٌ بِغَرَامِـهَـا )، والغرام هو الهلاك، وهو هنا الحب المودي إلى الهلاك..كما قال تعالى( إن عذابها كان غراما..) أي مهلكا هلاكا كبيرا وعظيما..!
فَأَقَـرَّ شِرْيَانِـي الجَـوَابَ لِـمَـا سَــأَلْ
والشريان هو ما يوصل الدم إلى القلب، وهو هنا الذي يجيب، ليدلك على أن حبها يسري في دمه كما يسري الدم إلى القلب وأعضاء الجسد الأخرى..
إِنْ حَـرَّمَ الرَّحمـنُ وَصْـلـيَ فَاشْـهَـدُوا
إِنِّـي لَهـا سَـاعٍ بِمَـا هُـوَ قَـدْ أَحَـلْ
وَ الأَرْضُ إِنْ وَقَـفَـتْ بِـوَجْـهِ لِقائِـنـا
لَأُلَاقِيَنَّ حَبيبتـي - لَـوْ - فِـي ( زُحَـلْ )
وهو هنا يتحدى كل شيء في سبيل لقائها، كل ذلك لأجل أن يوصل كل هذا لحبيبته فتحس به وتشعر بحبه لها، فهو رجل يضحي بكل غال وثمين، وهو يتحدى الدنيا والعالم في سبيل رضاها.....
قصيدة لو ذهبنا في شرح كل بيت لطال بنا الزمان..
ولكن معذرة فسأتوقف هنا حتى لا يمل القاريء، وحتى تكون له رؤية في قراءة القصيدة.....
ــــــــــ
بقلم الأديب الناقد :
عبد الرحمن جميعان
ــــــــــ
خالص التقدير للجميع