ضياء الظلام
كتبها : محمد الحامدي
... " برد ... بارد ... يا لطيف " هو ذا يبحث في الظلام عن زر الكهرباء . يتلمس الجدار
قرب الباب بيد مبللة وأصابع مرتعشة .. أخيرا وجده فضغط عليه بما بقي فيه من جهد .. ولكن أين النور " الفانوس احترق ؟ لا ينقصني سواك يا غبي " واقترب في خطى حذرة وكأنه ليس في بيته من حجرة ثانية .. وضغط الزر .. " لقد قطعوها .. حتى الكهرباء .. " وقف في وسط المطبخ يتذكر أين علبة الكبريت .. اقترب قليلا من نافذة المطبخ وفتح لوحها حتى يدخل نور فانوس يقابلها في الشارع " أطفئوا هذا أيضا إن كنتم رجالا " وفي العتمة انتبه إلى أنه مازال يشد على كتاب في يده .. يحضنه وكأنه كنز .
بعد نصف ساعة من السب والشتم عثر على علبة الكبريت ... لم يفهم لماذا وجدها في علبة الملح بالذات .. هز كتفه وهو يرجها .. كان فيها عود ثقاب وحيد أوحد .
" إما أن أنجح في إضاءة الشمعة به .. وأقرأ .. وأسمل عيني هذا الفقر .. وإما يسمل هذا الظلام عيني .. " . مسك بقية شمعة صفراء في يسراه وعود الثقاب في يمناه وعلبة الكبريت في فمه بعد أن وضع الكتاب بين ركبتيه وقرأ المعوذتين و ذكر الله كثيرا وعقل وتوكل ..
وحك عود الثقاب بحافة العلبة فاشتعل ... وكأنه خبير جراحة أثناء عملية مصيرية ، قربه من الشمعة فاشتعل فتيلها الذاوي .. " الله أكبر .. فتح التاريخ لي على مصراعيه بل طار بابه من أسّه ... "
قرر أن يقرأ في المطبخ ، لا وقت للمغامرة بنقل الشمعة إلى أي مكان آخر ... ثم ماله المطبخ ؟ " أقرأ فصلا ثم أعد شايا ... الشاي – إن وجد – يساعد على وضع الخطط .. "
بدا له عنوان الكتاب بلونه الأحمر وخطه العريض شهيا يسيل له لعاب الحلم : " كيف تصبح مليونيرا ؟ " وهل أريد غير ذلك ؟؟؟ هيا قل !! " لم يكد ينظر في أول حرف من أول سطر في أول فقرة حتى اشتدت العاصفة في الخارج ،، وهبت ريح عاتية فانفتح أو انكسر أو انخلع زجاج النافذة .. وانطفأت الشمعة .. وغرق في الظلام .
كتبها : محمد الحامدي