[size=7][align=center]( في فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة ) [/align][/size]
حين يطغى الانشغال ... وتسيطر المادة ... وتضعف الهمم ... و ُتسقى بكأس الكسل والعجز ... حيناً بعد حين ... ويقل الصاحب المعين ... و ُتشغل النفس بمشاغل شتى ... متفرقة تفرق أودية الحياة الدنيا ... ساعتئذ ...
الأولى بالمسلم أن يتفحص كوامن نفسه ... يفتش فيها ... يلمس حواشيها ... ُيحي فيها معاني اندرست ... وأحوال مضت ... يتربص بكل حادث يربطه ... وُيوصله بربه ... فيفر منه إليه ... ُملتمساً القرب والقبول ... رافعا ً من ثم َ لواء التوفيق والسداد .
فالمسلم الصادق الحريص على أمر نفسه ... الطالب لنجاتها ... المجاهد لها ... لحري ٌ به أن يلتمس مواسم الطاعات ليعمل فيها ... ولا يترك للأيام أن تعمل فيه ... فيرتقي بنفسه ؛ ينميها ... يزكيها ... ُيعدها ليوم تشخص فيه القلوب والأبصار ... وما ثمة غير أصحاب البصيرة ينعمون برحمة الله ... وهم فيها خالدون .
فاقبل أخي ـ أختي ـ على هذا الخير الكبير ... واعمل فيه وبه ... واغتنم ساعة بساعة ... فإنك اليوم في سعة من أمرك ... وبحبوحة من وقتك ... اقبل أيها الحبيب ... وتذوق معنا ما سنخطه لك من معان ... وجدد عبيرها في نفسك ... واعمل ... فإن الله يناله التقوى منك ... وادع الله تعالى أن نكون جميعا ً من الغانمين ... الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ...
وكن على شوق .... وردد معي ....
سائرين إلى البيت العتيق لقد *** سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحاً
إنما أقمنا على عـذر وقد رحلوا *** ومن أقـام على عذر كمن راحـا
* من فضائل عشر ذي الحجة أن الله تعالى أقسم بها جملة ، وببعضها خصوصا ً . قال الله تعالى { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ }. وإنما أقسم الله تعالى بمخلوقاتها لأنها تدل على بارئها ، وللإشارة إلى فضيلتها ومنفعتها ؛ ليعتبر الناس بها .. قال الحافظ ابن حجر في الفتح : وأخرج النسائي من حديث جابر رفعه قال : " العشر عشر الأضحى ، والشفع يوم الأضحى ، والوتر يوم عرفة " .
* ومن فضائل هذه الأيام : أنها الأيام العشر التي أتمها الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام ، والتي كلم الله تعالى موسى في تمامها ، والتي كانت مرحلة إعداد وتهيئة لمرحلة جديدة في تبليغ رسالة الله ودعوته ، وذلك في قول الله تعالى : { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } .
ـ قال ابن كثير " فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة ، والعشر هي ذي الحجة ، قاله مجاهد ومسروق وابن جريج وروي عن ابن عباس وغيره . "
ـ ( لقد انتهت المرحلة الأولى من مهمة موسى التي أرسل لها . انتهت مرحلة تخليص بني إسرائيل من حياة الذل والهوان والنكال والتعذيب بين فرعون وملأه ، وإنقاذهم من أرض الذل والقهر إلى الصحراء الطليقة !؟ ، ولكن القوم لم يكونوا بعد على استعداد لهذه المهمة الكبيرة ! . مهمة الخلافة في الأرض بدين الله ..... وكانت هذه المواعدة إعداداً لموسى نفسه ، كي يتهيأ في هذه الليالي للموقف الهائل العظيم ، ويستعد لتلقيه ، وكانت فترة الإعداد ثلاثين ليلة ، أضيفت إليها عشرا ، فبلغت أربعين ليلة ، يروض موسى فيها نفسه على اللقاء الموعود ، وينعزل فيها عن شواغل الأرض ليغرق في هواتف السماء ، ويعتكف فيها عن الخلق ليستغرق فيها في الخالق الجليل ، وتصفو روحه وتشف وتستضيء ، وتتقوى عزيمته على مواجهة الموقف المرتقب وحمل الرسالة الموعودة .... ) .
ـ وكأن المعني بهذا الكلام كل مسلم يبتغي إعادة الرسالة إلى الأرض ، كل مسلم ينشد تهيئة روحه لما هو آت ، والله أعلم بما هو آت !! . وكأن الخوف من تقلبات النفس التي تمثلت في بني إسرائيل ، كأنها خطر داهم يحرص على تفاديه كل من أراد النجاة من عقبات اليوم الآخر وعقوباته .
ـ ولا يكونن العيش مع النصوص القرآنية بمعزل عن الواقع ، فلا يقف فهم النص على بيئة بني إسرائيل التي خرجوا منها وفروا من فرعون وجنده ، ولا على مصر فرعون أو فرعون مصر ، ولا على صحراء سيناء .....؛ وإنما النص القرآني يهيمن على كل بيئة مشابهة ، وحال مقارب ، وظرف مماثل ، ونفس أمّارة بالسؤ ، محبة للدعة والراحة ، غير سالمة من آفات البيئة القديمة ، وما فيها من معان سلبية بالية ، ولو على مستوى النظر والاعتبار ، وإذا كان الله سبحانه قد أنزل على بني إسرائيل المن والسلوى إذ هم في الصحراء ، فإن صحراء القلوب لتحتاج إلى مِنة من الله تعالى أن ينزل عليها اليقين والصبر والثبات والصدق في جميع الأمر ، فيغتنم المؤمن أوقاتاً كانت لإعداد غيره ، عله يناله منها بعض إعداد ... وهو فضل الله يؤتيه من يشاء .. والله واسع عليم .