استيقظ من نومه متؤخرا كعادته ،كان الصمت يعمّ أرجاء المنزل ، وضب غرفته واتجه إلى الطابق السفليّ، تفاجأ حين لم يجد أحدا في البيت كانت النوافذ مفتوحة،الزجاج محطّم ، وبعض الأشياء مبعثرة في المكان .
كان العجب يُسيطر على محمد تلك اللحظة ،والأسئلة تجتاح فكره ،هل تعرض البيت للسرقة ؟ أين اختفت العائلة ؟، كان من الصعب عليه الإجابة ،توجّه إلى بعض الغرف ليتفقدها ، كانت بعض الأغراض مفقودة ، ذهب مهرولا إلى المرآب ،وجد السيارة مفقودة كذلك ..
أدرك أن هناك سبب وجيه يُفسر كل هذه الفوضى ، ارتدى ملابسه وقرر أن يستكشف الحالة خارج البيت .
حمل معه بعض النقود وذهب مسرعا إلى بيت جيرانه لعله يجد تفسيرا ...اقترب من الباب فوجده مفتوحا ،دخل فوجد الفوضى تعم بيت الجيران ،ولا أحد في البيت كذلك .قرّر أن يتوجه إلى وسط المدينة ،كان يتقدم في المسير وشعور غريب يحس به يجري في أنحاء جسمه ،بدأ الخوف يُسيطر عليه ،كانت المدينة فارغة من الناس والسكون يغمر المكان ،كانت بعض علامات الدمار تُخيم على جدرانها ..عندها أدرك محمد خطورة الموقف .
أخذ يفكر في حل لما يراه من غرائب أمامه ، كانت قدماه تقوداه إلى مركز الشرطة أو إلى أي جهة يوجد فيها رجال الأمن ،وأثناء المسير سمع ضجة وصراخا يتعالى ،لم يكد يقترب من مصدر الصوت ،حتى أحاط به جماعة من المسلحين وساقوه إلى مقرّهم.
مر يومان وهو مكبل بالحبال في زنزانة مظلمة ،أخذ يسترجع الصور الماضية والرعب يحاصره من كل الجهات،فجأة فتح الباب ،دخل رجل ملثم عليه ،فكّ قيوده ،وساقه إلى غرفة مليئة بالرجال.
أ ُ جلس محمد في وسط المكان ، كان هناك رجل نحيف ملثم يحمل مسدسا ، العيون كلها متجهة إليه ،عرف محمد أنه قائد هذه الجماعة.
بعد فترة قصيرة وجّه القائد اهتمامه إلى محمد و قال في نبرة رقيقة مليئة بالعاطفة و الحنان و الرجولة :من أنت يارجل ؟ عرف محمد أنه يقصده فأجاب مذعورا أنا محمد أسكن في طرف المدينة .
واصل القائد حديثه إليه،سأله عن أخباره ،ماذا يطالع من كتب الغرام ،ما طبيعة تعامله مع النساء ،هل له حبيبة ،أم أنه مازال يبحث عمن يمكنه التفاهم معها ،بدأ محمد يشعر بالراحة شيئا فشيئا جرّاء هذا الإستجواب العاطفي الجميل،كان عند كل سؤال يتجنب الردّ ويُراوغ في الكلام ،حينها قال له القائد بعد أن أحس ببرائته: آسف على تقييدك لقد حسبناك من الجبهة الأخرى.
جمع محمد كل قواه ووجه سؤاله مترددا بنبرة كأنها طفل يرتجف من البرد قائلا : من أنتم يا سيّدي .
نظر إليه القائد والتفت إليه كل من كان في القاعة ، أجابه القائد بخطاب يقطر عذوبة و ألما : نحن الذين فهموا الحياة وخاضوافي غمارها الكثير من التجارب ،نحن الذين آمنوا بالحب و تعذبوا في سبيل إيجاد واقع حنون تربطه حبائل المحبة وتحفه الملائكة بالنور و الضياء..
تعجب محمد غاية العجب من هذا الرد ،ووجه سؤالا جديدا ،قال وقد بدأ يشعر بالأمان أكثر :يا سيّدي إذا كنتم كما قلت فما حاجتكم إلى السلاح ؟
تبسم القائد وقال : هل تعرف ما يطلقه علينا المسؤولون ؟ هم يقولون إننا المتمردون !
هل تعرف سبب خلو المدينة و ارتداءها جلباب الصمت ؟ لقد اعلن عن وجود جماعة إرهابية خطيرة تتسكع في البلاد ،لقد نعتونا بالإرهاب لا لشيئ إلا أننا كنا مخلصين لمن أحببنا ،لم نكن نتعامل بمنطق المصالح المادية بل كانت تحركنا المحبة الصادقة المطلقة ، أما السلاح فكيف في رأيك يُدافع المظلوم عن نفسه ؟هل يتنازل عن مبادئه و يقول : كنت مخطئا و هو الذي على صواب.
هذا هو الواقع المرير الذي طغت فيه المادة و سيطرت فيه الكراهية على قلوب البشر، هذا هو الواقع الذي جعل الحب بمثابة المعصية والخطيئة و الكبيرة ،و ما الحب إلاّ لغة النفس للنفس و لغة النفس مع الحياة ...
لم يكمل القائد حديثه حتى سُمع صوت الرصاص يُدوّي في أنحاء المكان ،أخذ كل عاشق جهته الخاصة به للدفاع ...قرّر محمد حينها أن ينخرط في صفوف هذه الجماعة الطاهرة ،أخذ بندقية واندفع يرسل رصاصات طائشة تجاه العدوّ الصديق ، لمح في الجبهة الأخرى افراد عائلته و جيرانه الذين اختفوا ،بهت من هذه التناقضات ، و إذا برصاصة تشق طريقها نحوه ، اخترقت كتفه فصرخ بصوت عميق وارتعدت فرائسه ،كان الموت يتسلل إليه من كل النواحي، فتح عينيه وهو ينزف عرقا،وجد أمه جالسة عند رأسه و هي تقول : لابد أنه كابوس مرعب ..حينها قرّر أن يحارب التصحر العاطفيّ الذي كان يسيطر على حياته.
30/07/2007 بالمشرية