لو تكفي الكتابة حقا !!
غالبا ما نضع كلمات في جزء من الورقة، أو نملأ كل أمكنتها لنخفف عن القلب بعض أساه، أو نعبر عن فرحه، أو نصحح بها بعض المفاهيم الخاطئة أو نعبر بها عن رفضنا لما نراه شائعا وغير قويم من حيث المبدأ الإنساني.. لكن في النهاية نجد أن كل الحروف لم تخرج إلا من فتحة صغيرة من روحنا المتقوقعة داخل أسوار لا يمكن اجتيازها بسهولة، لتبقى الكلمات مجرد كلمات وفية لنفسها ولحروفها المنسقة بعناية كيما تشكل خاطرة نثرية رقيقة المشاعر، أو قصيدة شعرية زاخرة بالمشاعر الإنسانية والعاطفية، أو نصا ثائرا على الأوضاع المعاشة أو نصا معالجا لمشكلة اجتماعية أو غير ذلك مما يمكن لأيدينا أن تكتبه من مواضيع.. فنجد أن صدق الروح، وصفاء النية وكذا تفاعلنا وتطابق معاملتنا لمحيطنا تطابقا مكملا لما نضعه من كلمات على الورق، كلها أمور تعطي لتلك الكلمات الحياة الطويلة والمعنى العميق الذي يقع موقع الماء العذب الزلال في نفوس الخواص أولا والعامة ثانيا.. لتأتي بعدها الأيام على تلك الكلمات فلا تترك منها غير ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب أدراج الرياح..
لهذا إذا ما أردنا أن نعطي لكلماتنا نفسا طويلا وعلى المدى البعيد، علينا أن نعينها على الحياة بمعاملتنا الحسنة وفكرنا الإيجابي وحبنا للرقي بالفكر الجماعي إلى حيث الكلمة تسمو وتسمو إلى أن تصل الآفاق البعيدة، فترنو إليها العقول السليمة لتمتص رحيق المعاني الإنسانية الجميلة وشهد الحكمة البليغة المنتقاة من خير الكلم، خصوصا في يومنا هذا حيث غد العز رهن بصحوة العقول لتدرك الفهم السليم لكل الأسباب التي أدت لما نراه ويراه العالمون من تقاتل بين المسلمين مع بعضهم البعض من أجل دنيا لم تسوى عند خالقها سبحانه جناح بعوضة !!
علينا أن نعينها بمعرفة هدفنا من الكتابة أصلا.. فإن كان الهدف حب الظهور بين الأوساط الأدبية حيث المديح والكلمات الرنانة وجلب الأضواء الدنيوية البراقة، فليكن ذلك، لكن مع معرفة أن الأضواء يأتي عليها الزمن فتنطفئ كما تنطفئ لحظات العمر شيئا فشيئا، وحينها لن ينفعنا حب الظهور بشيء حيث لا أضواء ساطعة ولا كلمات لامعة..
وإن كان الهدف بلوغ المناصب والمصالح الدنيوية بدون واعز ديني أو نبيل من ورائها أو حتى نية صالحة، فليكن ذلك أيضا، لكن مع معرفة أن ما لله يبقى ويدوم بدوام ملك الله، وما لغير الله يفنى كما تفنى الحياة نفسها بكل مصالحها ومناصبها المؤقتة أو طويلة الأمد..
وإن كان الهدف لله وفي الله وبالله، فلتطب نفوسنا ولتنعم كلماتنا.. فلا شيء كان لله ثم ضاع هباء منثورا، ولا شيء كان لله ولم يثمر خيرا، سواء في الدار الدنيا أو دار البقاء حيث لا مجال للكلام أو الكتابة حتى إلا بإذن الله الواحد الأحد..