- " بداية و نهاية "
دوماً ما يستوقفني هذا العنوان لإحدى روايات أديبنا الكبير نجيب محفوظ ..
تشدني هاتان الكلمتان لتأملهما شارداً مع ما وراءهما من معانِ .
فلكل شئ بداية .. و له أيضاً نهاية ، فلاشئ مطلق الوجود ؛ لا شئ مطلق الحدود ؛ لا شئ مطلق الخلود سوى وجه الله تعالى .
- مسلمة بديهية يدركها الطفل الصغير قبل الشيخ الحكيم .
إلا أننا قلما نعمل بما أدركناه من هذه البديهية ، قلما وضعنا في حسباننا أن كل ما نحلم به لا بد له من نهاية .. فنحن ننظر إلى الأمور على إطلاقها ؛ نحلم أحلاماً مطلقة ؛ نسعى إلى نجاحاتِ مطلقة ؛ ننسى أو نتناسى أن ما نحلم به و ما نسعى إليه – حتى و إن تحقق – فلا بد له من نهاية ..
نتشبث بكلِ أملِ صغير من أجل تحقيق أحلامٍ ربما تأتي لحظة النهاية لها بمجرد أن يداعبنا أمل تحقيقها .
و ليست هذه نظرة متشائمة ..
فقد تأتي النهايات سعيدة ، و قد تأتي حزينة ..
إلا أن أصعب النهايات .. هي تلك " النهايات الُموجِعة " .
تصارعت تلك الأفكار بداخلي و أنا استمع إليها صامتاً ..
لم تتفوه سوى بكلمة واحدة ..
استطاعت ببراعة فائقة اختيار الكلمة المناسبة لتقرير الصمت الأبدي فيما بيننا .. كلمة واحدة أسدلتْ بها آلاف الستائر المُعتمة ، لملمتْ ما تبقى من نبض الحروف بداخلنا لتطلق عليه سهام الصمت في مشهد إعدامٍ جماعي لكل مفردات اللغة .
تأملتُ ملامحها الهادئة .. كدتُ انحني لها إعجاباً ببراعتها في إصدار الحكم النهائي على مشاعرنا دون ثغرة واحدة قد تنفذ منها تلك المشاعر لنقض الحكم أو استئنافه ، و دون أن تدع لنا أي فرصة للتراجع .
ارتقت بالمشهد من درجة الخلاف إلى أقصى درجات الصراع ..
من جرحِ للمشاعر إلى جرحِ للكرامة ..
من نهاية للحلم إلى قتله ..
أذهلتني مفاجأة النهاية غير المتوقعة .. حاولت ألا أقف صامتاً كتمثالِ حجري ، حاولت التظاهر بانفعالِ ما *حتى و إن كان اللامبالاة .. فكرتُ في الثورة لجرحِ عميقِ أصاب كرامتي .. فتشت بداخلي عن حروفِ مبعثرة تجيبها..
- لماذا لا أجيبها بنفس الكلمة ؟.. لماذا لا أثور عليها ؟ .. أو فلأطلب منها على الأقل تبريراً لهذه الكلمة ؟
تعالت صرخات الجرح بداخلي ترجوني الحفاظ على ما تبقى من ذاتي ..
فتملكني لا الصمت .
قررتُ الهروب ثانيةً إلى أفكاري و تأملاتي ..
لم تكن أحلامي عديدة بحيث أن فقداني لإحداها قد يعوضه تحقيق حلمِ آخر .. كانت قليلة إلى الدرجة التي تجعلني أتشبث بكل خيطٍ من خيوطِ الوهم الواهية في سبيل الحفاظ على الحلم .
لقد كانت هي دائماً محور أحلامي .. بل و محور حياتي كلها ..
كل لحظة لنا معاً كانت بالنسبة لي حلماً جميلاً أتمنى لو لا أصحو منه أبدا ..
كل همسِ بيننا هو نغمٌ ينسيني صخب الحياة من حولنا ..
كل لقاءٍ هو حياةٌ خُلقت لنا وحدنا .
إلا أنني لم أتناسى للحظة أن الُحلم لا بد له من نهاية .. وأنه لا مفر من أن تكون نهاية حلمنا هي إحدى تلك النهايات الحزينة .
هيأتُ نفسي كثيراً للحظة إعلان انتهاء وقت الأحلام و النزول إلى أرض الواقع المؤلم ..
انتظرتُ كثيراً تلك النهاية الحزينة.. ترقبت مفاجأتها لي في أي لحظة .
و بالرغم من أنني كنت اتمنى لو لا تأتي أبداً .. إلا أنني الآن أتمنى لو جاءت منذ زمن ..
فلم تكن النهايات الحزينة أبداً بقسوة النهايات المُوجِعة .
استدارت مبتعدة ..
أفقتُ من شرودي ..
قررت الانسحاب بهدوء ..
كان يجب أن التفت لذلك الُجرح العميق النازف بداخلي ..
عانقته مواسياً ؛ خبأته بداخلي علني استطيع يوماً مداواته .
استسلمت لتلك " النهاية الموجعة " باحثاً عن بداية حلمِ جديد بتضميد جراح ذاتي !
إسلام شمس الدين