عينان في محجر واحدقرّبت الكرسي منه وجلست حتى لامست ركبتها ركبته ، فنظر إليها بدهشة من لا يزال يسمي المرأة " حرمة " وهمّ بالنهوض فأمسكت به تشدّه إلى مقعده وهي تضغط الحرف ينبجس من بين أسنانها :
- لا تفضحنا ،، عيون الطلبة تكاد تخترق همسنا ..
- ماذا تريدين مني؟
- منك ؟ وهل يراد منك شيء ؟؟ جئت فقط أسألك : لماذا كنت طوال الوقت تنظر إليّ ؟ هل تعرفني ؟
مسح بشاربه – يمحى بأصغر ممحاة كما قال ذات يوم أحد أصدقائه – كمن ظفر بمخرج من كهف ، وقطرات عرق تلمع على جبهته :
- من قال لك إني كنت أنظر إليك .
- أنا ، لقد كنت أراقبك .
- إذن فقد كنت تنظرين إليّ بدورك .. فلمااااااااذا ؟
- نعم كنت أنظر ومنذ افتتاح مطعم الجامعة أول السنة ،، وببساطة لأني معجبة ،، أريدك لي ولي وحدي .
فاجأته بما سماه " وقاحة " فانعقد لسانه وهو يتمتم : ما هذه ؟ ألا تستحي ؟
********
- بم تناديك أمك ؟
- صابر
- ستتعلم الصبر هنا
وانهالت عليه الصفعات واللكمات من كل اتجاه . ورفس بالأقدام . ونادوا الكلاب تنهش لحمه وعظمه. واطفؤوا في عينه مئات السجائر وهو يصرخ : لم أفعل شيئا ولا أعرف من فعل شيئا ... ولم يصدقوه حتى ملّوا تمزيق جسده وروحه وفكره . " ألقوا به خارجا ... لا فائدة منه ... ودعوا اسمه في القائمة قد نحتاجه يوما ما . "
******
- قل !! ماذا فعلوا بك ؟
- بل قولي أنت .
- انتهكوا كلّ شيء فيّ وجعلوني أكثر خبرة بجثث الرجال من عاهرات الشوارع . وضحكوا كثيرا ولست أدري لماذا ؟ ولكنهم لم يظفروا مني باسم واحد حتى سملوا عيني مثلما فعلوا بك . وهي تضحك : خذ عيني أو أعطني عينك .
" كان مجرد وضع يدي على يدها تغرّمني عليه بحرماني من رؤيتها أسبوعا وأصبر... " وسمعها تسأله عن عينه فردّ بشرود :
وماذا يفعل المرء بعينه إذا انطفأت ؟ يغطي سواد ليلها بخرقة سوداء ويمضي .
- قلتُ خذ الباقية وسأرى الدنيا بك .
فضحك ، وغضبت : أتضحك منى ، وأنشبت أظافرها كهرة برية في عينها تريد اقتلاعها ، فاحتضنها : يا مجنونة .
- إذن لماذا تضحك ؟
- ذكرت الحمار
- ما به ؟
- قصة طويلة ،، ولا يجوز أن أحكيها لك .
- قصها قص ألم أقل قد صرتُ خبيرة بجثث الرجال ؟
- كان والدي يربط الحمار مثلما العادة عند جميع الفلاحين في القرية ، ويحرص على ألاّ يمارس حقه الطبيعي في معاشرة بنات جنسه خوفا من أن تذهب قوته ويصيبه الهزال . وكنت أشفق عليه ، أعني الحمار , وأرى في ذلك غبنا وقهرا . فكنت أغتنم فرصة غياب الوالد وأطلق الحمار حتى انكشف أمري فنلت عقابي ، عقاب الفلاحين ، وبيع الحمار من الغد .
- أترى نفسك حمارا؟
- نعم وبعين واحدة .