أخوان الصفاء
عرَّفوا الإنسان المثالي، الكامل خُلقيًّا، على أنه شرقي فارسي النشأة، ذو تربية عراقية – أي بابلية، تلميذ المسيح في سلوكه، عربيًّا في إيمانه، عبريًّا في دهائه، تقيًّا كراهب سرياني، يونانيًّا في العلوم الفردية، هنديًّا في تفسيره للألغاز، وأخيرًا – وبشكل خاص – صوفيًّا في مجمل حياته الروحية.
قسموا أنفسهم إلى مراتب أربعة هي:
1. مَن يملكون صفاء جوهر نفوسهم وجودة القبول وسرعة التصور. ولا يقل عمر العضو فيها عن خمسة عشر عامًا؛ ويُسمَّوْن بالأبرار والرحماء، وينتمون إلى طبقة أرباب الصنائع.
2. مَن يملكون الشفقة والرحمة على الأخوان. وأعضاؤها من عمر ثلاثين فما فوق؛ ويُسمَّوْن بالأخيار الفضلاء، وطبقتهم ذوو السياسات.
3. مَن يملكون القدرة على دفع العناد والخلاف بالرفق واللطف المؤدِّي إلى إصلاحه. ويمثل هؤلاء القوة الناموسية الواردة بعد بلوغ الإنسان الأربعين من العمر، ويُسمَّوْن بالفضلاء الكرام، وهم الملوك والسلاطين.
4. المرتبة الأعلى هي التسليم وقبول التأييد ومشاهدة الحق عيانًا. وهي قوة الملكية الواردة بعد بلوغ الخمسين من العمر، وهي الممهِّدة للصعود إلى ملكوت السماء؛ وإليها ينتمي الأنبياء، مثل إبراهيم ويوسف وعيسى ومحمد، والحكماء مثل سقراط وفيثاغورس.
رأى بعض العلماء أن غاية أخوان الصفاء تمثَّلت في قلب الحالة السياسية السائدة عن طريق إحلال نظام فلسفي قادر على أن يكون أساسًا للحياة، اعتقد معظم مَن درسوا عقائدهم أن هدفهم هو الجمع بين الدين والفلسفة. وفي الواقع، كثيرًا ما تكلَّم الأخوان أنفسهم عن فضائل الفلسفة كطريقة في البحث عن الحقيقة، وعن الجمع بينها وبين ناموس الأنبياء الإلهي. لكن هدفهم لم يكن، على كلِّ حال، مشابهًا لهدف ابن رشد أو توما الأكويني؛ إذ إنهم أعطوا كلمة "فلسفة" دلالة تختلف كثيرًا عن المعنى العقلاني القياسي الذي أضفاها عليها الأرسطيون. فهم، في المقابل، يقرنون الفلسفة بـ"الحكمة" – مخالفين بذلك غالبية جمهور الكتَّاب المسلمين ممَّن استخدموا الفلسفة كمرادف يقترب في معناه من الحكمة الإنسانية المحضة – التي تجد مصدرها النهائي في التنزيل الذي نزل على الأنبياء القدماء. فالفلسفة، بنظر أخوان الصفاء، هي "تشبُّه الإنسان على قدر الطاقة مع الله"؛ إنها "السبيل الذي يقرِّب النخبة، أو الملائكة على الأرض، مرة أخرى من الباري سبحانه وتعالى"؛ واستخدامها هو من أجل
الحصول على الفضيلة الخاصة بالجنس البشري، تلك التي تنقل إلى الفعل جميع العلوم التي يمتلكها الإنسان بالقوة [...]. وبالفلسفة التي هي الحكمة يحقق الإنسان جميع الخصائص الفاضلة لجنسه الإنساني، ويكتسب بذلك صورة شريفة ملكية يرتقي بها إلى درجات الجنان، ويدخل في زمرة الملائكة، حتى إذا ما عبر الصراط المستقيم والمسلك الصحيح صار ملكًا