الحرث في الكسلمحمد بن الطيب الحامدي
كان لي جد طعن في التجارب حتى ابيض شعره وعيناه ، سمع ذات يوم بتلك الحرب فشد على يدي حتى أدمعت روحي وسألني أن أبسط له ما يحدث ، فقلت بعد أن قلت : أمري لله : يا جدّ الأمر وما فيه ... وذكرت له قول أحد قادة الأمريكان أيامها حين قال " الطبيعة لم تكن عادلة في توزيع الثروات ( يقصد النفط ) وقواتنا ستعدّل هذا الخلل " وأفهمته ما لا يريد أن يفهمه المتفيهمون ، فاعتدل في جلسته وقص عليّ هذه القصة .
قال : الحمد لله والصلاة على رسوله ،
يحكى أنّ راعيا كان يجوب البادية خلف ماشية سيده بحثا عن الكلأ والماء ، وكان كثير التأفف من الرعي ، تطمح نفسه إلى الرزق والرخاء . وذات يوم وهو يتبع ماشيته على عادته لاحظ أن جرادة قفزت من بين رجليه لتعتلي ظهر إحدى الدواب . فراح يراقبها طوال اليوم وهي على ظهر الدابة عينه لا تبرحها . واستمر الأمر بها رابضة وبه مراقبا حتّى انحدرت الشمس فهش دوابه يريد بها العودة إلى مرابضها ، وعينه على الجرادة تراقبها . فلما أن صارت الماشية قرب بئر سديم إذ طارت " بومة " من قاعه أزعجها حفيف أظلاف الماشية ، وطارت الجرادة والتقيا في الهواء أمام عيني الراعي ، فالتهمتها البومة وواصلت طيرانها ، وكاد عقل الراعي يطير ، وظل من حينه يكرر السؤال : إذا كانت هذه البومة الواقعة في جحرها من البئر ما شاء لها البقاء حتى قفزت تلك الجرادة على ظهر تلك الدابة وقضت يومها فوقه لا تبرحه حتى سرنا إلى قرب البئر فطارت وطارت ووقعت اللقمة بمنقارها دون عناء ، فلا بدّ أنّ في الأمر سرّا ، فلأقبعنّ في بيتي هانئ البال ، فمن رزق البومة في الغار يرزقني في الدار . وأقام في الدار ، وكان له زوج وولد ، والكل بحاجة إلى ماء وطعام وملبس ، ولكنه أبى الخروج وعقد العزم على الانتظار . وجاءه يوم صائح يصيح " النفير ، النفير " فما أعار جوابا حتى دخل عليه الناس وقائلهم يقول : إنها الحرب وفي الحرب لا توزع الأرزاق ، فإما نجاة أو قطع أعناق ، فانج بنفسك حتى يصيبك رزقك . فقال : أسير . وسار حتى كان اللقاء واشتد القتال وأبلى خير بلاء ، حتى بلغ خيمة القائد وقد فُلّ جيشه وتفرق فصاح به " خذ نصف ثروتي وأعتقني " ، فقال : وأين ألقاك حتى تفي ، قال : دع القتال يضع الأوزار وعُد في قومك واكتم سري ومن الغد تجد الوفاء . وعاد يكتم السر ، حتى جاءه بعد أيام رسول القائد يطلب لقياه على انفراد ، فلبى ، فضرب عنقه وهو يقول " هو أجلك سبق رزقك " ، وكان خلفه جيش قائده فمزقوا قومه شرّ تمزيق .
- يا ولد ، عسى ألاّ تكون قد نمت ؟!!
- يا جدّ ، ومتى صحوت ؟!!