موسوعة المفكرين واعلام الادب

بسم الله الرحمن الرحيم

على غرار موسوعة الفنانين الموجودة هنا في هذا القسم سأقوم بإذن الله تعالى بوضع معلومات وبيانات عن شخوص رجالات عالم الادب والفكر في العالم

حتى يتسنى لكل مهتم بالامر معرفة جواهر الامور من قشورها

ولن أبدأ بها حتى أحصل على موافقة أحد المشرفين الكرام هنا في موقعنا الحبيب

دمتم من شرور الدنيا سالمين ومن علم الله غانمين

بورك فيك أيها المكرم
وهل تنتظر لعملك وجهدك الرائع هذا تصريحاً ؟؟
نحن معك نستمع ونتابع ونشارك
فابدأ على بركة الله
ونسأل الله أن يكون لك ثواب ما تقدم من خير وعلم وفائدة
ولنا منه نصيب إن شاء الله
وإحتفاء بفكرتك وموضوعك هذا
فهو :

	للتثبيت

خالص تقديري

لعبة الحب والمصادفة لماريفو
بقلم الدكتور :علي درويش
مدرس الأدب الفرنسي بجامعة عين شمس
(1)

الكلام عن صاحب مسرحية " لعبة الحب والمصادفة " يثير التفكير في شيء يمكن أن نطلق عليه " لعبة العبقرية والإنصاف " ! .. العبقرية سخية في عطائها ، والأجيال ضنية أو متباطئة في إنصافها ! . بل كلما برز في إنتاج عبقري طابع الإبتكار والندرة كلما إزدادت الأجيال تباطؤاً في حكمها عليه ، وتقتيراً في إنصافها له ! .. أما إن جاء هذا الإنتاج فريداً في نوعه فنيبغي أن يدفع صاحبه نفسه إلى واقعية غير متشائمة كل التشاؤم : عليه أن يتعلل في حياته بصبر طويل يحمل معه تتمته حين يغادر الدنيا ... ولقد طالت لعبة العبقرية والإنصاف هذه بالنسبة لماريفو .. ونحن نقصد الإنصاف الكامل : فبالرغم من إنقضاء مايزيد عن القرنين _ في الدراسة قرنين _على وفاة هذا الكاتب الكبير ، وبالرغم من أن كثيراً من روائع إنتاجه يمثل في كثير من بلاد العالم ، وبالرغم من مئات الأبحاث التي كتبت عنه ، لاتزال في أصالة إنتاجه جوانب غامضة ، وأخرى يقف النقد أمامها حائرا ً ! .. ليس غريباً إذن أن تكتب "مدام دوري" (marie-jeanne durry) الأستاذة بالسوربون في أول سطر من كتابها "بعض الجديد عن ماريفو" (quelques nouveautes sur marivvaux ) :"ماريفو هذا المجهول ....... "!!
ولد ماريفو في الرابع من فبراير عام 1866 بباريس لأسرة انتمى إليها كثير من القضاة .وبعد ميلاده بقليل عينه أبوه - وكان من أصل نورماندي – مديراً لدار العملة بمدينة ريوم(riom) ،ثم انتقل إلى مدينة ليموج ولم تعرف الوظيفة التي شغلها في هذه المدينة وإن كان من المعروف أن بها داراً للعملة هي الأخرى .وتلقى ماريفو علومه في "ريوم" و"ليموج" ،ثم انتهى به المطاف في باريس حيث أتم دراسة الحقوق .ولم يحظ بثقافة كلاسيكية واسعة (اليونانية واللاتينية) ،الأمر الذي دفعه فيما بعد إلى الإزراء بالقدامى ومناصرة المحدثين .

* * *

يروي لنا ماريفو مغامرة حدثت في شبابه وأثرت أعمق التأثير في مواهبه وسلوكه في الحياة : كان يحب فتاة جميلة عاقلة تتميز بالبساطة والرقة .. وتصادف يوما أن فطن إلى أنه نسى لديها أحد قفازيه ،فعاد إليها .ولشد ماكانت دهشته حين فاجأ "فتاته الساذجة " وهي تنظر في مرآة وتكرر لنفسها العبارات الخداعة التي تعتزم استعمالها في اليوم التالي ! .. كانت تبدو وكأنها تحفظ نغماً من أنغام الموسيقى ! .وكان تصنعها من الاتقان بحيث سرت في جسم الشاب رجفة انتزعت من قلبه فجأة كل حبه ..وعلا وجه الفتاة الاحمرار من المفاجأة والخجل .. وأخذ ماريفو قفازه ، وانحنى أمامها محيياً وأسارير وجهه تنطق بالاحتقار .. ولم يعد يقابلها منذ ذلك اليوم .. هذه الواقعة من المؤكد أنها أصابت الشاب بخيبة أمل مريرة ،ولكن من العسير علينا – في ضوء مانعرفه عن مظاهر سلوكه في المجتمع – أن نصدق زعمه أن نكبته العاطفية أصابته بنفور من الناس لم يفارقه طوال حياته .. كل مايمكن أن نرجحه هو أنها أسهمت في صقل موهبة هامة من مواهبه : التأمل المتصل الذي يرنو إلى الكشف عن جوهر الطبيعة النسائية من وراء المظاهر الخداعة ، وأنها حقنته بنوع من المصل ضد التمويه والتغرير ،وأن تأثيرها إنسحب على بعض الشخصيات التي خلقها ماريفو ،على تلك التي تحرص على التنقيب والدراسة المتأنية الواعية قبل الإقدام على الزواج أمثال "دورانت" و "سيلفيا" في مسرحية "لعبة الحب والمصادفة"...

حكايته مع فولتير

لم يكن ماريفو يهتم بالرد على الهجوم الشخصي لأنه كان يتحدى المذاهب لا الأشخاص .. مؤلفاته جميعا – ولاسيما الشطر النقدي منها- لا تذكر اسم أحد من أعدائه ،بل ولا اسم فولتير ! .. ولكن لٍـمَ نشير إلى فولتير بالذات ؟.. ذلك لأنه أعنف خصومه :معظم مسرحيات ماريفو تمثلها فرقة الإيطاليين ،وفولتير يمقت الكوميديا الإيطالية كـُتابا وممثلين ، ويحتقرها ،فضلا عن أنه يعتبر أن كوميديات ماريفو مجردة ، ويتصدى لصاحبها علانية :عنيفاً في كتاباته ،وأشد عنفاً في أحاديثه ;ويبلغ هذا العنف حد التجريح ، يقول عن مؤلف "لعبة الحب والمصادفة" :"إنه رجل يصرف حياته في وزن بيض الذباب في ميزان من خيوط العنكبوت "! .. صحيح أن فولتير لم يسلم كلية - كما يقال – من لسان ماريفو الذي قال عنه : " ...هذا الخسيس يزيد على أمثاله برذيلة هي أن لديه بعض الفضائل أحياناً " ! .ولكن هناك موقفاً – يسجله تاريخ الأدب – يدل على كل حال على مايتميز به ماريفو من نبل وشرف في الخصومة : في عام 1735 (عمر ماريفو 47 سنة وقتها) تظهر رسائل فولتير الفلسفية ، التي تثير أعداءه وسخط البرلمان .. ويحاول أحد الناشرين انتهاز هذه الفرصة للكسب المادي فيقترح على ماريفو تسفيه هذه الرسائل وتفنيدها مقابل مكافأة يعادل مبلغ خمسمائة جنيه – على ان تلك الدراسة كانت في فترة الستينات (مبلغ ضخم في ذلك العصر) .. إلا أن ماريفو يرفض هذا العرض السخي لأنه يستنكر أن ينبري لإنسان في لحظة يتحالف فيها مع كل شىء ضده .ويرقى نبأ العرض إلى أذن فولتير الذى يخشى أن ينتهى الأمر بماريفو إلى قبوله ،ويريد أن يأمن جانب خصمه هذا فيكتب إلى صديق يدعى برجيه رسالة يمتدح فيها ماريفو امتداحاً طويلاً ،مؤملا أن يطلع عليها هذا الأخير : "...إنني أتألم إذا اضطررت إلى أن أضيف إلى أعدائي رجلا في مثل خلقه أقدر مايمتاز به من عقل ونزاهة .إن مؤلفاته تتميز خاصة بطابع فلسفي وإنساني وإستقلالي أسعدني أن أجد فيه مشاعري الخاصة . . ." !

* * *

استهل ماريفو إنتاجه للمسرح – وهو في الثانية والثلاثين من عمره – بملهاة اسمها " الحب والحقيقة " وهي من ثلاثة فصول بالنثر ، وقد مثلتها فرقة الايطاليين في 3 مارس عام 1720 .وقد فقدت هذه المسرحية ،ولكن من المعروف انها لم تصب أي نجاح ، وأن ماريفو ثأر من نفسه بكياسة لهذا الاخفاق حين قال : إن المسرحية أضجرتني أكثر من غيري لأني كاتبها " ! ..وكانت ملهاته "أرلكان هذبه الحب " هي الذي دله على الطريق حيث نجحت وعرف الجمهور ماريفو منها وليس عن طريق تراجيديته " آنيبال " كما عُرف والتي مثلت على المسرح بعد الأولى بشهرين.

إنتاج ماريفو

يشمل إنتاج ماريفو اثنتين وثلاثين مسرحية ،وقصتين ،وثلاث صحف أصدرها الواحدة تلو إخفاق الأخرى أو نجاحها الهزيل.
أما الكوميديات فأولها " الحب والحقيقة " التي أشرنا إليها ، وآخرها "الممثلون ذوي النية الحسنة" التي ترجع الى عام 1755 .ويمكن تقسيم مسرحيات ماريفو إلى أربع فئات :
1- مسرحيات عن مفاجآت الحب ، وأشهرها :
ـــ"التقلب المزدوج"
ـــ"مفاجأة الحب "
ـــ"مفاجأة الحب الثانية"
ـــ"النهاية غير المتوقعة"
ـــ"المفاجأة"
ـــ"لعبة الحب والمصادفة"
2- مسرحيات تقليدية ،وهي نوعان :
(أ*) كوميديا أخلاق ،وأشهرها :
ـــ"مدرسة الامهات"
ـــ"التجربة"
ـــ"الزوجة المخلصة"
(ب*) كوميديا عادات ، وأشهرها :
ـــ " التابعة الزائفة "
ـــ " القروية "
3- مسرحيات أسطورية أو رمزية ،وأشهرها :
ـــ" الحب والحقيقة "
ـــ" انتصار بلوتوس "
ـــ" ارلكان هذبه الحب "
4- مسرحيات إجتماعية ،وهي :
ـــ" جزيرة العبيد "
ـــ" جزيرة الصواب "
ـــ" المستعمرة "
القصتان :
1- "حياة ماريان" وهي قصة فتاة كانت بصحبة والديها حين انقلبت بهم العربة فراحا ضحية الحادث ..وتصبح هذه الفتاة وحيدة ، وينتشلها قس يعهد إلى أخته بتربيتها .. ثم تصبح وحيدة من جديد وهي في الخامسة عشرة من عمرها ..وتجد عملاً .. وتتعرض لمغامرات منافق يدعى "كليمال" ..ثم تقابل "كونت فالفيل" الذي كان من المؤكد أنه سيتزوجها لولا خيانة خطيبها وانخراطها في سلك الرهبنة.
2- "القروي حديث الثراء" وهي قصة فلاح يغادر قريته في الثامنة عشرة من عمره الى باريس بحثاً عن الثروة .. وتدفعه وسامته إلى الدخول في مغامرات عاطفية متعددة .. ويبسم له الحظ .. ثم يعود الى قريته بعد أن يكون قد أرضى طموحه ،ليصبح موئل مواطنيه في مسقط رأسه.
وهاتان القصتان لم يكمل ماريفو كتابتهما ،لأنه كان متعسفاً إزاء نفسه ، ولأنه لم يكن يبدأ إنتاجه القصصي بخطط محددة ،الأمر الذي كان يجبره على التوقف عن الكتابة حين يجد نفسه في مأزق ! ...على أنه سمح "لمدام ريكوبوني" باتمام كتابه "حياة ماريان" ..إنها أجمل القصتين ،وهي لا تزال تـُقرأ بلذة.

لعبة الحب والمصادفة

هي كوميديا بالنثر من ثلاثة فصول قدمها للمرة الأولى الممثلون الإيطاليون في الثالث والعشرين من يناير عام 1730 ، بباريس .
شخصياتها شريف عجوز اسمه " أرجون " وابنه ماريو ،وابنته "سيلفيا" ،ومحب هذه الأخيرة "دورانت" وخادمتها "ليزيت" وخادم "دورانت" ويدعى "ارلكان" وتابع لاتذكر المسرحية اسمه.
وتقع أحداث المسرحية في بيت "أرجون"بباريس .
وموضوع المسرحية سهل لاتعقيد فيه ككل كوميديات ماريفو ...يلتقي "أرجون" في رحلته الأخيرة بصديق قديم ،ويتفقان على أن تتزوج " سيلفيا " ابن هذا الأخير "دورانت" ،فقد اشترط مع صديقه على ألا يتم هذا الزواج إلا إذا أعجب الشاب و الفتاة كلاهما بالآخر .. ويعرض "أرجون" الأمر على ابنته راجياً إياها ألا تجامله بموافقة سريعة عمياء .. إلا أن "سيلفيا" تبدو نافرة من فكرة الزواج لأن لها صديقة يسيء زوجها معاملتها ، ولأنها سمعت عن وسامة "دورانت" وفي رأيها أن هذه الوسامة نقمة تهدد الحياة الزوجية .. ومع ذلك فتطرأ على ذهنها فكرة لايلبث والدها أن يطرب لها : أن تدرس "دورانت" دون أن يفطن إلى شخصيتها !..
ويتفق الأب وابنته وخادمتها على وسيلة هذه الدراسة :حين يقبل "دورانت" اليوم ستستقبله الفتاتان متنكرتين كل منهما في ثياب الأخرى ! .. إلا أن هناك سراً يخفيه "أرجون" على ابنته :مصادفة غريبة ! :والد "دورانت" يبعث إليه برسالة ينبئه فيها أن إبنه سيأتي لزيارة خطيبته "سيلفيا" متنكرا ً ..ويطلع "أرجون" على هذا السر ابنه "ماريو" الذي كان قد عرف السر الآخر كذلك .إنه يجد في هذه الظروف مغامرة ستمتعه..... ( وكذلك نحن ولذلك لن أسرد بقية ملخص المسرحية لأن جمال قراءتها يكمن في اكتشاف المفاجآت والتي هي سمة ماريفو )
والبقية تأتي

رائع بحق ما قرأته هنا

أخي الفاضل " أحمد زكريا ":

سأحجز لي هنا مكانا

سأتابع بشغف

لك خالص التقديري وباقة ورد

[

إبــــن رشــــــــــــد
بقــــلم : الدكتور محمود قاسم
عميد كلية دار العلوم سابقاً بجامعة القاهرة

ربما كان مفكرو الغرب وأهله عامة أكثر معرفة بهذا الفيلسوف من معرفة خاصة المسلمين به.وأيا كان الأمر ،فقد كان أثره عظيماً في توجيه الثقافة الاوروبية منذ القرن الثالث عشر الميلادي ، سواء أكان ذلك التأثير في مجال الدراسة الفلسفية والدينية .ويكفي أن نشير هنا إلى إلى طلائع النهضة الحديثة الاوروبية كانوا ينسبون أنفسهم إليه ، فقالوا إنهم هم الراشديون اللاتينيون ، أما في مجال التفكير الفلسفي فما زال أثر ابن رشد واضحاً في فلسفة العصور الوسطى الأوروبية ، وخاصة في تفكير توماس الأكويني أما في العصر الحديث فإن تفكيره مابرح ماثلاً في المدرسة الأكوينية الجديدة .
ولقد ظهر ابن رشد ، وعلا شأنه في دولة الموحدين ،وبخاصة في عهد كل من أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ،وأبي يوسف يعقوب الذي جاء من بعده .وكانت دولة الموحدين ،على الرغم من تزمتها ،تفسح في صدرها للعلماء والفلاسفة ،على عكس دولة المرابطين التي ضاقت بهؤلاء ، وقدمت عليهم طائفة الفقهاء ، وتركت لهم مجالاً يجولون فيه ، ويصيبون منه خيراً ورزقاً ، حتى بلغ من نفوذهم في عهد علي بن يوسف بن تاشفين أن ولاة الأقاليم ماكانوا يقطعون في أمر دون أن يوافق عليه أربعة من الفقهاء .

أما فيلسوفنا فهو أبو الوليد محمد بن أحمد ابن محمد بن رشد الذي كان ينتمي إلى أسرة من أكثر الأسر العربية شخرة في بلاد الأندلس ، إذ كانت أسرة علم وقضاء . وقد ولى ثلاثة أجيال منها وظيفة قاضي القضاة في مدينة قرطبة ، ونريد بذلك أن الجد والأب والحفيد تتابعوا على هذا المنصب الكبير.

ولد ابن رشد في سنة 520 هـ أي في سنة 1126 م ،وكانت طبيعة تربيته هي التي وجهته إلى طريق أسلافه ، فحصل العلوم العربية والإسلامية ،ثم درس الطب والحكمة على غرار كبار مفكري الإسلام من أمثال ابن سينا والفارابي .وقد عاصر ابن رشد فيلسوفا أندلسياً كبيراً ،وهو ابن طفيل صاحب القصة الفلسفية المشهورة " حي بن يقظان "،كما كانت تربطه صلة قوية بابن زهر المعروف بتفرغه لدراسة الطب وممارسته والتأليف فيه .وربما كانت صلته بابن طفيل هو الذي قدمّه إلى الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الذي عني بحشد العلماء والحكماء في بلاطه ، كما عني بجمع كتب العلم والفلسفة من أقطار الأندلس والمغرب ، حتى اجتمع له من العلماء وأهل النظر مالم يجتمع لملك قبله من ملوك المغرب وحتى كانت مكتبته تضاهي مكتبة الحكم المستنصر بالله الأموي.

ومع هذا ، فإن ابن رشد لم يكن مجهولا لدى أسرة الموحدين ،فقد سبق أن ذهب الى مراكش لأول مرة في سنة 548هـ (1153 م) تلبية لدعوة عبد المؤمن بن علي أول ملوك هذه الدولة ، لكي يدلي برأيه وخبرته في إنشاء عدد من المدارس في مراكش.

وقصة تقديم ابن طفيل له مشهورة معروفة تتلخص في أن أبا يعقوب بن يوسف أراد أن يختبره في مسألة من مسائل الفلسفة ،فأظهر ابن رشد الحرج ،حتى طمأنه الأمير ،وفتح أمامه باب الحديث ،فأظهر ابن رشد ماعنده ،فأعجب الأمير ، ثم مالبث أن عهد إليه بمهمة شرح كتب أرسطو ،فنهض ابن رشد بهذه المهمة على أكمل وجه ،وخصص قسطاً كبيراً من وقته وجهده لإعداد هذه الشروح ، التي عرف بسببها ، في أوروبا ، باسم " الشارح الأكبر " .

ثم دعاه ابو يعقوب في سنة 578 هـ (1182م) إلى مراكش وجعله طبيبه الخاص ،ثم ولاه وظيفة القضاء في قرطبة ، " فحمدت سيرته وتأثلت له عند الملوك وجاهة عظيمة لم يصرفها في ترفيع حال ، ولا جمع مال ، وإنما قصرها على مصالح أهل بلده خاصة ، ومنافع أهل الأندلس عامة ."

ولما مات أبو يعقوب يوسف ، وخلفه ابنه ابو يوسف الملقب بالمنصور ،زادت مكانة ابن رشد في هذه الدولة رفعة ،وقربه الامير إليه على نحو أفزع فيلسوفنا ، إذ كان يخشى كيد خصومه من الفقهاء الذين كانوا يريدون الاطاحة بطبقة العلماء والفلاسفة ،حتى يستعيدوا مكانتهم التي كانت لهم في دولة المرابطين ، ولم يكن ابن رشد بالخصم المماليء او المنافق ،ولم يكن يشعر نحو الفقهاء بكثير من المودة ، ولاسيما أنه رأى مسلكهم الذي عابه أحد الشعراء فقال :

أهل الرياء لبستموا ناموسكم . . . كالذئب أدلج في الظلام العاتم
فملكتموا الدنيا بمذهب مالك. . . وقسمتوا الأموال بابن القاسم

هذا إلى أن ابن رشد كان يقول : " ومعظم الفقهاء هكذا نجدهم "


وأيا كان الأمر فقد نجح الفقهاء في الكيد له لدى أمير المؤمنين ، وسنحت لهم الفرصة عندما جاء المنصور إلى بلاد الأندلس لمحاربة جيوش ألفونس ملك الأسبان في سنة 591 هـ ، إذ كان ماكاد الأمير يعود منتصراً حتى أمر باعتقال ابن رشد ونفيه إلى قرية كانت خاصة باليهود ، وأحرق كتبه ، وأصدر منشوراً لعامة المسلمين ينهاهم فيه عن قراءة كتب الفلسفة أو التفكير في الاهتمام بها ، وهدد من يخالف أمره بالعقوبة الصارمة .

اختلفت الآراء حول سبب مجافاة ومعاداة المنصور له فمنهم من اولها تأويلا سياسياً ومن اولها تأويلا دينيا اي انه وصل الى سمع المنصور إلحاد بعض افكار ابن رشد وكفره ببعض قصص الأمم الخالية التي جاء ذكرها في القران ومنهم من أرجعها إلى تبسطه مع المنصور في الحديث .ونعتقد أن السبب السياسي هو السبب الحقيقي ، إذ كان الفقهاء يتوقون إلى استرداد مكانتهم السياسية التي حرموا منها عهدا طويلا .ومما يبرر هذه الوجهة من النظر أن المنصور عاد فعفا عن ابن رشد وأقرانه ،واستدعاء الى مراكش .ولو كان السبب الديني هو السبب الحقيقي لكان من العسير على المنصور أن يرجع عن قراره وموقفه.

وقد ألقت هذه المحنة ظلا كثيفا على سيرة ابن رشد ، فصورته في صورة المفكر المتحرر بل المارق ،مع أن منهجه في التدليل على عقائد الإسلام ، ربما كان أفضل المناهج لأنه استطاع أن يجمع فيه بين العقل والشرع على أفضل وجه.

ولكم أعزائي المنتسبين إلى رابطة الواحة هدية وهي بعض النصوص من كتاب ابن رشد ( مناهج الأدلة في عقائد الملة ) :

النص الأول
براهين وجود الله عند ابن رشد

" فإن قيل فإذ تبين أن هذه الطرق كلها (طرق المتكلمين) ليست واحدة منها هي الطريقة الشرعية التي دعا الشرع منها جميع الناس ، على اختلاف فطرهم ،الى القرار بوجود الباريء سبحانه فما هي الطريقة التي نبه الكتاب العزيز عليها ؟… قلنا الطريق التي نبه الكتاب العزيز عليها …إذ استقريء الكتاب العزيز وجدت تنحصر في جنسين أحدهما طريق الوقوف على العناية بالإنسان… ولنسم هذه دليل العناية ، والطريقة الثانية مايظهر من اختراع جواهر الأشياء الموجودات ، مثل اختراع الحياة في الجماد ،والادراكات الحسية والعقل ،ولنسم هذه دليل الاختراع .

فأما الطريقة الأولى فتبنى على أصلين : أحدهما أن جميع الموجودات التي ههنا موافقة لوجود الانسان ، والأصل الثاني أن هذه الموافقة هي ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد ؛ إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق …ولذلك وجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع جميع الموجودات …"

النص الثاني
القرآن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم

وأنت تتبين من حاله صلى الله عليه وسلم أنه لم يدع أحداً من الناس ،ولا أمة من الأمم إلى الإيمان برسالته وبماجاء به بأن قدم على يدي دعواه خارقا من خوارق الأفعال ، مثل قلب عين من الأعيان إلى عين أخرى .

وماظهر على يديه صلى الله عليه وسلم من الكرامات الخوارق ،فانما ظهرت في أثناء أحواله ، من غير أن يتحدى بها .وقد يدلك على هذا قوله تعالى : "وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ً " ،إلى قوله " قل سبححان ربي هل كنت إلا بشراً رسولا ً " وقوله تعالى " ومامنعنا أن نرسل بالآيات إلا كذب بها الأولون " .وأما الذي دعا به الناس وتحداهم به هو الكتاب العزيز ،فقال تعالى : "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً " ، وقال "فأتوا بعشر سور مثله مفتريات " …صدق الله العظيم ، فإن قيل هذا بيّن ،ولكن من أن يظهر أن الكتاب العزيز معجز ، وأنه يدل على كونه رسولا ، وأنت قد بينت ضعف دلالة المعجز على وجود الرسالة ..قلنا ليس الأمر في هذا ماتوهم هؤلاء ، فكون القرآن دلالة على صدق نبوته عليه السلام ينبني عندنا على أصلين قد نبه عليهما الكتاب العزيز .

أحدهما : أن الصنف الذي يسمونه رسلا وأنبياء معلوم وجوده بنفسه ،وأن هذا الصنف من الناس هم الذين يضعون الشرائع للناس بوحي من الله لابتعلم إنساني .وذلك أنه ليس ينكر وجودهم إلا من أنكر وجود الأمور المتواترة…
والأصل الثاني : أن كل من وُجد عنه هذا الفعل الذي هو وضع الشرائع بوحي من الله فهو نبي – وهذا الأصل غير مشكوك في في الفطر الإنسانية .

فأما الأصل الأول فقد نبه عليه الكتاب العزيز في قوله تعالى : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى قوله " وكلم الله موسى تكليما " صدق الله العظيم …وأما الأصل الثاني ، وهو أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد وجد منه فعل الرسل ، وهو وضع الشرائع للناس بوحي من الله فيعلم من الكتاب العزيز . ولذلك نبّه على هذا الأصل ، فقال : يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم ، وأنزلنا إليكم نورا مبينا ً " يعني القرآن ، وقال " ياأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم " … صدق الله العظيم

فإن قيل فمن أين يدل القرآن على أنه خارق ومعجز من نوع الخارق الذي يدل دلالة قطعية على صفة النبوة …قلنا : يوقف على ذلك من وجوه : أحدها أن يعلم أن الشرائع التي تضمنها من العلم والعمل ليست مما يمكن أن يكتسب بتعلم بل بوحي ، والثاني ماتضمنه من الإعلام بالغيوب ، والثالث من نظمه الذي هو خارج عن النظم الذي يكون بفكر ورويّة …

فإن قيل :فمن أين يعرف أن الشرائع التي فيه العلمية والعملية ، هي بوحي من الله تعالى حتى استحق بذلك أن يقال فيه إنه كلام الله – قلنا …قد يعرف ذلك ، على اليقين ، من زوال العلوم ، وبخاصة وضع الشرائع وتقرير القوانين والإعلام بأحوال المعاد.وبما وجدت هذه كلها في الكتاب العزيز ،على أتم مايمكن ،عُلم أن ذلك بوحي من عند الله ..وبالجملة فإن كانت ههنا كتب واردة في شرائع استأهلت أن يقال إنها كلام الله ..فظاهر أن الكتاب العزيز ..هو أولى بذلك وأحرى أضعافا مضاعفة .وأنت يلوح لك هذا جدا ،إن كنت قد وقفت على الكتب أعني التوراة والإنجيل .فإنه ليس يمكن أن تكون كلها قد تغيرت.

محبتي لكم..والبقية تأتي

جزاك الله خيرا لما قدمته لنا اتمني لك التوفيق
لي رجاء عندك :ان تسرع في كتابة البقية لاني في اشد الاشتياق لما سوف تكتب
اشكرك سيدي
لقد استفدت مما قرأت كثيرا واستمتعت به اكثر

بوركت أخي
متابعون
تحياتي

اشكرك اخي الكريم
موضوع قيم وغني بالمعلومات
مع تحترامي وتقديري

سأعود لمناقشة مقالة بن رشد


\

بالغ تقديري ... أيها الهمام لجهدك النافع